السبت، 21 يونيو 2008

هل المحطات الإذاعية الجديدة في المستوى؟

بعد ظهور العديد من المحطات الإذاعية الجديدة
إلى أي حد تستجيب هذه المحطات لمتطلبات المستمع المغربي؟

أنس العقلي/أسبوعية المستقل

عرفت السنة الأخيرة ظهور مجموعة من المحطات الإذاعية الجديدة، وأصبح جهاز الراديو في كل بيت مغربي غنيا بالمحطات الإذاعية المتنوعة، إلا أن مجموعة من الملاحظات ظلت تحوم حول المضمون الذي تقدمه بعض المحطات، من تغليب اللغة الفرنسية وأغاني الراب والغربي، إلى ارتفاع درجة الميوعة في بعض البرامج.. ويظل السؤال المطروح هو هل تستجيب جميع المحطات الإذاعية الجديدة لتطلعات المستمع المغربي؟

عرفت السنة الأخيرة منح التراخيص لمجموعة كبيرة من المحطات الإذاعية الجديدة بالمغرب، من طرف المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، حيث رخص المجلس لإحدى عشرة محطة إذاعية وتلفزيونية بينها فضائية إخبارية وإذاعة موسيقية وإذاعة عامة وإذاعة تهتم بالمواضيع الاقتصادية والمالية وإذاعات محلية تغطي في مجملها كافة أنحاء المغرب.
وقد قام المجلس الأعلى السمعي و البصري بمنح هذه التراخيص في إطار المهمة الموكولة إليه والمتجلية في تحرير القطاع السمعي البصري في المغرب ورفع احتكار الدولة على هذا المجال.

تغليب اللغة الفرنسية والموسيقى الغربية

وهكذا أصبح جهاز الراديو في كل بيت مغربي غنيا بالمحطات الإذاعية المختلفة والمتنوعة، ولكن السؤال الذي يظل مطروحا هو إلى أي حد تستجيب هذه المحطات الإذاعية الجديدة لتطلعات المستمع، وإلى أي حد تساهم في الحفاظ على الثراث والهوية المغربية؟.
أول شيء نلاحظه على بعض المحطات الإذاعية الجديدة، هو تغليب اللغة الفرنسية والاعتماد عليها في جل البرامج والنشرات الإخبارية وكأننا نعيش في بلد أوروبي، وإذا اعتبرنا أن أغلب المغاربة لا يتكلمون اللغة الفرنسية، يمكن أن نتساءل: لمن هي موجهة هذه المحطات الإذاعية؟
ومن جانب آخر يلاحظ المستمع لهذه المحطات أن معظمها لا تولي اهتماما للموسيقى المغربية، وتعتمد أساسا على موسيقى الراب والموسيقى الغربية، في الوقت الذي كان ينبغي فيه أن تلعب هذه المحطات الإذاعية دورها في التعريف بالفن المغربي والموسيقى المغربية والفنانين المغاربة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الثراث الفني المغربي وحمايته من التراجع والاندثار.

هل أصبحت الميوعة لغة القرن 21 عند البعض؟

ومن الملاحظات الأخرى التي يمكن استخلاصها حول بعض المحطات الإذاعية، الاعتماد على بعض المهرجين الذين لا علاقة لهم بمجال التنشيط الصحفي، الذي بات اليوم مجالا عمليا له قواعده وآلياته التي لا يمكن اكتسابها إلا من خلال الدراسة والتكوين.
ويتضح جهل هؤلاء الأشخاص بميدان التنشيط من خلال طريقتهم غير المهنية في التقديم، حيث يقولون أي شيء بشكل يصل أحيانا إلى درجة الميوعة، ويصل في أحيان أخرى إلى درجة الخروج عن السطر، ومن جانب آخر نجد أن بعضهم لا يزال متشبثا بفكرة أن المستمع المغربي عقله صغير لدرجة أنه سيضحك ويقتنع بجودة المحطة الإذاعية بمجرد سماعه لشخص يتحدث بلهجة الإنسان البدوي "العروبي" من خلال أمواج الإذاعة.
ومن المنشطين الذين أبلوا بلاء حسنا في مجال الميوعة، لا يزال الجميع يتذكر البرنامج الذي كان يقدمه "نور الدين كرم" على أمواج إذاعة "رابا شين أنتير"، وهو الصحفي المهاجر الذي عاد إلى المغرب ليقدم برنامجا على شاكلة البرامج الإذاعية في فرنسا. وقد حقق البرنامج نسب متابعة قياسية، ولكنه في الآن نفسه تعرض لموجة شديدة من الانتقادات القاسية، خصوصا حول اللغة المستعملة التي وصفت بالمائعة، وكذلك موضوع البرنامج الذي كان يقوم على المصالحة بين المحبين مباشرة على الهواء، أو استلام أرقام الهواتف والمعلومات من المستمعين بهدف تنظيم المواعيد بينهم. وقد تم توقيف البرنامج بعد حوالي سنة من البث حقق خلالها رقم متابعة قياسيا.
وكان المنشط "مومو" أكثر ميوعة في برنامجه الذي كان يقدمه في فترة الليل، حيث وصلت به الجرأة ذات ليلة إلى الدخول في حوار على الهواء مباشرة مع طفل تعرض للاغتصاب، وظل يستفسره ويطلب منه عرض طريقة الاغتصاب بتفاصيلها والشعور الذي أحس بها أثناءها، وقد تم توقيف البرنامج بعد ذلك لأن المنشط كان يجب عليه أن يقوم بدور المربي والموجه تجاه طفل قاصر، وهو الشيء الذي لم يقم به "مومو"، حيث كان يطلب من الطفل القاصر الاستمرار في شرح ما وقع له.

آراء الشارع

من خلال مجموعة من الآراء التي استقتها "المستقل" من الشارع المغربي، استنكر العديد من المواطنين ظاهرة تغييب اللغة العربية في بعض المحطات الإذاعية، وإجراء الحوارات خصوصا الهامة منها باللغة الفرنسية. وانتقد المواطنون الذين قابلناهم الارتجالية في البرامج المقدمة، ووصفوها بالبرامج غير الهادفة.
واشتكوا من غياب البرامج والأخبار التي تحمل هم المواطن العادي، مطالبين معالجة حقيقية للواقع وطرح المشاكل الكبرى التي يعاني منها المواطن المغربي. كما انتقد أغلب من استقينا آراءهم الذوق الهابط الذي تروج له بعض المحطات الإذاعية الجديدة من خلال تقديمها لأغاني لا تمت للثقافة المغربية بصلة؛ وبالمقابل ذهب آخرون إلى أن الشباب المغربي هو الذي يدفع بعض الإذاعات إلى بث الموسيقى الغربية وموسيقى الراب لأنها أصبح يطلبها ويستمع إليها بكثرة.

حسن نادر، رئيس تحرير المحطة الإذاعية "شذى إف إم": "الراديو أخطر وسيلة إعلامية ومبدأ "الجمهور عايز كده" غير مطلوب"

هل تنال اللغة العربية حقها في المحطات الإذاعية الجديدة؟

أولا لا يجب إطلاق أحكام عامة على جميع المحطات الإذاعية، فنحن في محطة "شذى إف إم" نعتمد مبدأ الموازنة بين اللغتين العربية والفرنسية، بالإضافة إلى ما نعتبره اللغة الثالثة أو اللغة الوسيطة، وهي لغة عامية مفصحة ومهذبة وبعيدة عن الإسفاف والابتذال. ونعتمد في النشرات والبرامج الإخبارية على العربية الفصحى، بينما نعتمد على اللغة العامية المفصحة في البرامج التنشيطية، وغالبا ما نمزج في برامجنا التنشيطية بين اللغتين العربية والفرنسية بشكل متوازن، من أجل تلبية رغبات جميع شرائح المستمعين، لذلك فنحن نشترط الازدواجية اللغوية في صحافيينا ومنشطينا عند انتقائهم.

هل للأغنية المغربية مكان في برامج محطة "شذى إف إم"؟

شعارنا الأساسي في محطة "شذى إف إم" هو أن نكون إذاعة الأغنية المغربية بامتياز، حيث نعمل على تقديم أطباق متنوعة من الأغاني المغربية. وقد ساهمنا في إعادة التوزيع الموسيقي للعديد من القطع المغربية لفنانين تركوا بصمتهم في مجال الأغنية المغربية كعبد الوهاب الدكالي ونعيمة سميح ولطيفة رأفت وغيرهم، بالإضافة إلى إعادة التوزيع لأغاني فولكلورية من الثراث المغربي للعديد الفنانين الشعبيين من بينهم الحاجة الحمداوية. وجاءت فكرة إعادة التوزيع الموسيقي لهذه الأغاني، طبعا بالتنسيق مع أصحابها، من منطلق إيصال الأغنية المغربية والثراث المغربي إلى الشباب المعاصر، وهو ما لا يمكن أن يتأتى إلا بإعادة توزيع هذه الأغاني في حلة أكثر ملاءمة لروح العصر.

ما موقفكم من البرامج التي تهدف إلى تحقيق نسبة استماع عالية ولو على حساب سمعة الإذاعة؟

إن هذه البرامج عموما عمرها قصير، لأنها سرعان ما تموت عندما يمل الناس منها وتكثر الانتقادات الموجهة إليها، نحن لا نجد مانعا من كسر الطابوهات والحديث عن المسكوت عنه، ولكن يجب أن يتم ذلك بطريقة لا تخدش الاحترام العام، لذلك فنحن نقوم بتكوين منشطينا وندربهم على استعمال لغة مهذبة بعيدة عن الإسفاف والألفاظ السوقية. فأنا شخصيا أعتبر الراديو أخطر أخطر وسيلة إعلامية، لأنه يمكن أن يصل إلى أي شخص، على عكس الجريدة مثلا، التي لا يمكن للشخص أن يقرأها إلا إذا كان يعرف القراءة وتوجه إلى الكشك وقام بشرائها بكامل إرادته. لذلك ففي الراديو لا يجب العمل بمبدأ"الجمهور عايز كده"، بل يجب الحرص على ملاءمة البرامج لجميع الشرائح التي تشكل المستمع المفترض.

الاثنين، 16 يونيو 2008

المهدي بنبركة لم يمت

بعد 43 سنة من حادثة اختطافه
المهدي بنبركة ما زال حيا

يبدو أن شبح المهدي بنبركة سيتبع المتهمين بقتله إلى الأبد، فبعد مرور أزيد من 43 سنة على اختفاء المعارض اليساري المغربي لا زالت تداعيات القضية تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، معلنة شوطا آخر لهذه التراجيديا التي يبدو كأنها لن تنتهي.. فهل يستطيع ميلود التونزي، وهو أحد المتابعين في القضية، إسقاط مذكرة القاضي باتريك راماييل القاضية باعتقال خمسة مسؤولين مغاربة منهم جنرالان متابعين في ملف بنبركة؟

تم مؤخرا فتح تحقيق ضد مجهول لدى محكمة باريس العليا من طرف النائب العام للجمهورية، بتهمة الإخلال بسرية التحقيق في قضية اختطاف المعارض المغربي المهدي بنبركة عام 1965، وذلك بعدما كشفت قناة فرانس3 الفرنسية في أكتوبر 2007 عن وجود مذكرات دولية باعتقال خمسة مسؤولين مغاربة، على رأسهم الجنرالان حسني بنسليمان وعبد الحق القادري.
وجاء طلب فتح التحقيق إثر مخابرة قضائية ضد مجهول صدرت في 25 فبراير 2008 بعد شكوى تقدم بها ميلود التونزي قبل بضعة أشهر، والذي ورد اسمه بين المطلوبين الخمسة في مذكرات القاضي الفرنسي باتريك راماييل المكلف بالتحقيق في ملف اختطاف المعارض المغربي الاشتراكي المهدي بنبركة.
ففي أكتوبر 2007 بثت قناة فرانس 3 تحقيقا عن قضية المهدي بنبركة، وأعلنت فيه أن القاضي الفرنسي راماييل المكلف بالملف أصدر خمس مذكرات توقيف في حق خمسة مسؤولين أمنيين مغاربة، من بينهم الجنرالان بنسليمان والقادري؛ لينشر التونزي إثر ذلك بلاغا رسميا صرح فيه بأنه تلقى مكالمة هاتفية من الصحفي جوزيف توال صاحب التحقيق قبل يومين من بثه على قناة فرانس3، وقال التونزي إن الصحفي الفرنسي أخبره بأن هناك مذكرة توقيف ستصدر ضده خلال 24 ساعة.
وبعد شهر من هذه المكالمة رفع التونزي دعوى رسمية في شهر نونبر2007 بخرق سرية التحقيق ضد جوزيف توال، وفي 25 فبراير الماضي رفعت دعوى قضائية ضد مجهول بدعوى المساس بسرية التحقيق. واليوم يفتح النائب العام للجمهورية لدى محكمة باريس العليا تحقيقا لتحديد المسؤول عن هذه التسريبات في ملف بنبركة ذي الحساسية البالغة.
وبينما تسير كل المعطيات نحو أن القاضي الفرنسي راماييل هو من سرب خبر تلك المذكرات، يراهن المغرب على وجود خطأ في الشكل لإفراغ تلك المذكرات من قيمتها.

القاضي راماييل يزور المغرب ليواجه المتهمين

وكان القاضي الفرنسي باتريك راماييل قد زار المغرب سابقا من أجل الاستماع إلى مسؤولين سابقين يعتبر أنهم شاركوا من مستويات مختلفة في عملية الاختطاف، وذلك ليستمع إليهم كشهود وليس كمتهمين، في إطار لجنة الإنابة القضائية في هذا الموضوع. وكانت المهزلة أنه عندما سأل عن عنوان الجنرال بنسليمان أجابه القاضي المغربي بأنه لا يعرف أين يقيم قائد الدرك الملكي.
وكان البشير بنبركة نجل الزعيم المغربي المعارض، قد أعلن لوسائل الإعلام الوطنية أنه طالب وزير العدل عبد الواحد الراضي بتفعيل مذكرة التوقيف التي أصدرها القاضي الفرنسي راماييل في حق كل من الجنرال حسني بنسليمان الذي يشغل حاليا منصب قائد قوات الدرك الملكي، وعبد الحق القادري المدير السابق للاستخبارات العسكرية، وميلود التونزي الملقب بالشتوكي، ومحمد العشعاشي وبوبكر الحسوني، وهم ثلاثة عناصر سابقة في "الكاب 1"، إحدى وحدات الأجهزة السرية من المخابرات المغربية.
وأضاف البشير بنبركة أن "طلب توقيف تلك الشخصيات المغربية الخمس من طرف القاضي راماييل جاء بناء على المهام التي كانت تشغلها إبان اختطاف بنبركة في نهاية أكتوبر 1965، حيث كان حسني بنسليمان، يقول البشير، يشغل منصب "كابتان" في ديوان وزير الداخلية آنذاك الجنرال محمد أوفقير، فيما كان القادري ملحقا عسكريا بالسفارة المغربية بباريس، أما العشعاشي والتونزي والحسوني فقد كانوا عناصر في الكاب1."
ويراهن البشير بنبركة على الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الكشف عن حقيقة اغتيال والده، و قال البشير: "عائلة بنبركة لا تريد أن تنتقم من أحد، وإنما تريد أن يكون للمهدي قبر تزوره للترحم عليه."
وقد كشفت الدولة الفرنسية عن بعض الوثائق تحت ضغوطات البشير بنبركة الذي ظل يكافح من أجل إنصاف والده، ولكنها كانت وثائق جزئية. ولم تكشف فرنسا عن أوراق أهم وخصوصا حقيقة المسؤولين ومدى علمهم بالعملية. ليبقى السؤال العريض الذي يطرح نفسه اليوم هو لماذا لم يقم المغرب بعد 43 سنة من هذا الحادث بوضع حل نهائي لهذا الملف، وتحديد القاتلين، وطي هذه الصفحة التي تسيء إلى سمعة البلاد كلما طال مسلسلها؟

لغز بنبركة حير هيئة الإنصاف والمصالحة

وكان تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة فرصة مناسبة لإيجاد حل نهائي لقضية بنبركة وطي هذا الملف الشائك بشكل نهائي، إلا أن الهيئة عجزت عن فك هذا اللغز، شأنها شأن القضاة الذين تكلفوا بملفه منذ اختطافه، حيث ظلوا يصطدمون بالحاجز الكبير الذي هو حفظ أسرار الدولة المغربية والفرنسية.
وكان إدريس بنزكري رئيس هيئة الإنصاف والمصالحة قد قال في حوار له مع قناة الحرة إن هيئة الإنصاف والمصالحة بحثت في ملف بنبركة ووصلت إلى جزء من الحقائق في هذا اللغز، واستمعت إلى مسؤولين سابقين من المغرب شاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر، أو كانوا حاضرين أثناء عملية اختطاف بنبركة. وأضاف بنزكري إن فرنسا هي المسؤولة المباشرة عن جزء خطير جدا من العملية، وهي عملية الاعتقال والاختطاف والقتل داخل التراب الفرنسي، وأن هذه حقيقة لا يتحدث عنها الجميع بشكل واضح وصريح. ولحد الآن لم تكشف وثائق الأرشيفات الفرنسية عن حقيقة ما جرى بالضبط في هذه العملية. وأضاف إن هيئة الإنصاف والمصالحة عند بحثها في الموضوع كان تركيزها الأساسي هو البحث عن جثمان المهدي بنبركة، وقادها هذا البحث إلى مراجعة العملية منذ البداية، فوجدت مناطق ظل تم التستر عليها.
وإذا كان الصحفي الإسرائيلي شمويل سيغيف، الذي ألف كتابا حول القضية، يحمل الموساد جريمة اغتيال بنبركة، فإن إدريس بنزكري حملها لفرنسا بشكل مباشر، مع تحميل مسؤولين مغاربة نصيبا من المسؤولية. وعزى ذلك إلى أن الاغتيال تم داخل الأراضي الفرنسية وبعلم وبحضور مسؤولين كبار من النظام الفرنسي.

اغتيال بنبركة والروايات المتعددة

اغتيل المهدي بنبركة العضو القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي سنة 1965 بباريس على يد المخابرات المغربية والفرنسية والأمريكية والإسرائيلية (الموساد). وكان بنبركة مناضلا حزبيا وأستاذا لمادة الرياضيات، حصل على شهادة الإجازة في الرياضيات بالجزائر سنة1944 ودرس في الكلية الملكية بالرباط، حيث كان لملك الراحل الحسن الثاني واحدا من طلبته. واختلفت الروايات حول طريقة اختطافه واغتياله وتذويبه في حامض الكبريت أو في ماء النار، كما تعددت الأخبار حول مكان دفن جثته.
وتولى عدة مناصب أهمها انتخابه رئيساً لاتحاد طلاب شمال إفريقيا عندما كان يدرس الرياضيات بالجزائر، وفي عام 1956 انتخب رئيساً للجمعية الوطنية الاستشارية، كما انتخب قبيل اختطافه رئيساً لمنظمة تضامن شعوب آسيا وإفريقيا.
وتعددت الروايات حول سيناريو الاختطاف والقتل، وتبقى الرواية الأكثر شيوعا أن بنبركة وصل يوم الجمعة 29 أكتوبر 1965 إلى باريس قادما من جنيف بجواز سفر دبلوماسي جزائري، ووضع حقائبه في منزل صديقه اليهودي المغربي جو أوهانا، ليتوجه بعد ذلك سيرا على الأقدام إلى حانة "ليب" بشارع سان جرمان بالعاصمة الفرنسية باريس، حيث كان على موعد مع بعض الأشخاص من بينهم المنتج السينمائي جورج فيغون، الذي أوهم بنبركة بأنه مكلف بإنتاج فيلم وثائقي حول موضوع إزالة الاستعمار بقلم الكاتبة الفرنسية مارغريت ديراس وإخراج جورج فرانجو، كما تم إيهام بنبركة بأنهم يحتاجون إلى مساعدته كمستشار تاريخي، ولم تكن هذه القصة سوى فخا كبيرا لاستدراج المعارض التقدمي، حيث أوقفه في تلك اللحظة شرطيان فرنسيان باللباس المدني هما لوي سوشون وروجيه فواتو، واقتاداه بالسيارة التي كان يقودها المخبر الفرنسي انطوان لوبيز إلى فيلا يمتلكها جورج بوشيساش بفونتني لوفيكونت بالضواحي الجنوبية لباريس، حيث قيدت قدماه ووثقت يداه وراء ظهره، ووضع الدليمي رأسه في إناء مليء بالمياه، وفي لحظة ما أفرط في الضغط على حلقه مما أدى إلى موته اختناقا. وبعد ذلك وصل وزير الداخلية المغربي آنذاك الجنرال أوفقير إلى باريس لتنظيم عملية الدفن التي جرت بسرية كبيرة في باريس بعد أيام من وفاته.
وكان بنبركة قد تعرض قبل اختطافه إلى محاولات اغتيال في المغرب إحداها بواسطة سيارة تابعة للشرطة، وقد أحدثت تلك المحاولة عطباً في فقرات رقبته اضطرته إلى استخدام اللفافة حول عنقه وهي التي يستخدمها المصابون بتكلس فقرات الرقبة أو فقرات أعلى الظهر. كما تعرض أيضا لمحاولات اغتيال بجنيف وحوكم بالإعدام بسبب مواقفه السياسية.
وأصبحت قصة بنبركة مادة حكائية دسمة استغلها العديد من الكتاب والروائيين في إبداعاتهم القصصية والروائية، كما استغلها العديد من المخرجين في أفلامهم السينمائية، كان آخرها فيلم "شاهدت اغتيال المهدي بنبركة" للمخرجين سعيد السحيمي وسيرج لو بيرون والذي تم عرضه سنة 2005.
وقال شمويل سيغيف إن المعارض المغربي المهدي بنبركة الذي اختطف منذ 42 عاما في باريس، قتل بيد أحمد الدليمي الذي كان الرجل الثاني في الشرطة السرية المغربية ودفن في العاصمة الفرنسية.
وأضاف سيغيف إن الجنرال أحمد الدليمي لم يكن يريد قتله، بل فقط إجباره على الاعتراف بأنه ينوي إسقاط نظام الملك الحسن الثاني.
وشاءت الأقدار أن يموت الدليمي في حادثة سير في ظروف غريبة وغامضة عرف بعدها أنه كان يخطط لقلب نظام الحسن الثاني، ونفس الشيء بالنسبة للجنرال أوفقير الذي كان العقل المدبر للانقلاب الفاشل سنة 1972 حيث قام بقصف الطائرة الملكية، كما كان الرأس المدبر قبل ذلك التاريخ لمحاولة انقلاب الصخيرات.

هل أقصيت الوداد بمؤامرة؟

هل أقصيت الوداد بمؤامرة؟

أسبوعية المستقل/أنس العقلي


انهزم فريق الوداد البيضاوي في إياب نهائي دوري أبطال العرب أمام نظيره وفاق سطيف الجزائري بهدف لصفر، وهي نفس النتيجة التي كان قد انهزم بها في لقاء الذهاب بمدينة الدار البيضاء، لتبقى الكأس بالجزائر ويعود الفريق البيضاوي إلى المغرب خالي الوفاض.
وبهذا يكون فريق الوداد البيضاوي قد ضيع آخر أمل في إنقاذ موسمه الرياضي، بعد خروجه من منافسات كأس العرش، واحتلاله لمراكز وسطى في الترتيب العام للبطولة الوطنية. علما أن القلعة الحمراء صرفت في بداية الموسم أكبر مبلغ على انتدابات اللاعبين بين أندية البطولة، ناهز 900 مليون سنتيم.
وقبل أن نتكلم عن التحكيم الذي تحيز بشكل واضح للفريق الجزائري ورفض هدفا مشروعا للوداد فيما احتسب هدفا غير صحيح لوفاق سطيف، يجب أن نتحدث أولا عن المشكل الذي افتعله الرئيس السابق للوداد نصر الدين الدوبلالي ضد المدرب أوسكار فيلوني قبل لحظات من التوجه إلى الجزائر لإجراء مباراة الحسم، حيث طالبه بأداء مبلغ 36 مليون سنتيم تعويضا على الشقة التي كان يستفيد منها خلال تدريبه للوداد في موسم 2002. وهذا ما خلق بلبلة كبيرة وجوا من التوتر داخل الوداد، في الوقت الذي كانت تحتاج فيه مكونات الفريق إلى قمة التركيز، وعلى رأسهم المدرب أوسكار.
وقد تم اختيار هذا التوقيت الحساس بدقة لتفجير هذه القنبلة التي جعلت المدرب أوسكار يتنقل بين ردهات المحاكم ويتخذ محاميا ساعات قليلة قبيل لقاء النهاية، خصوصا بعد الحجز على مرتبه الشهري، حتى وصل الأمر بالمدرب الأرجنتيني إلى اتهام بعض الوداديين بالتحامل عليه، وهدد في لحظة من اللحظات بعدم مرافقة الوداد إلى الجزائر.
ويظل السؤال المطروح هو ما هي مصلحة الدوبلالي من هزيمة الوداد؟.

روبورتاج: كيف يشاهد عشاق الرياضة بالمغرب مباريات العرس الأوروبي؟

بعدما فشلت القنوات الوطنية في شراء حقوق البث
كيف يشاهد المغاربة نهائيات كأس أوروبا؟

أنس العقلي/جريدة المستقل

تتوجه الأنظار هذه الأيام إلى النمسا وسويسرا اللتين تحتضنان مناصفة نهائيات كأس أوروبا 2008، ويجد المغاربة أنفسهم محرومين من متابعة مباريات أفضل بطولة قارية في العالم، بعدما عجزت القنوات المغربية عن الحصول على رخصة نقل الحدث الأوروبي من قناة الجزيرة الرياضية التي تحتكر حقوق النقل للبطولة في الوطن العربي..

يشتهر الجمهور المغربي بعشقه الكبير لكرة القدم، وخصوصا الكرة الأوروبية، التي تتميز بمستوى راق وحس احترافي وجودة عالية، لذلك كان لا بد من اختيار وسيلة لمشاهدة مباريات العرس الأوروبي الذي يقام كل أربع سنوات وتتنافس فيه أقوى منتخبات القارة العجوز.
وتختلف ميولات متتبعي هذه البطولة الهامة، فإذا كان البعض يفضل الذهاب إلى المقاهي لمتابعة المباريات في أجواء حماسية، فالبعض الآخر سارع إلى شراء بطاقة اشتراك الجزيرة الرياضية من أجل متابعة اللقاءات في البيت في أجواء عائلية، إلى جانب فئة أخرى فضلت اللجوء إلى الفضائيات الأوروبية من أجل ضمان مشاهدة مجانية ولو على حساب التعليق بالعربية.
ومن المؤكد أن متابعي قناة زيد دي إيف الألمانية على القمرين أسترا وهوتبورد سيتضاعفون هذا الصيف، بسبب ازدياد أعداد كبيرة من المشاهدين العرب لقائمة متتبعي هذه القناة وغيرها من المحطات الأوروبية التي عودتنا على كسر خطة الشرود للجزيرة الرياضية ونقل المباريات بشكل مجاني في كل مناسبة رياضية هامة.

المقاهي ترفع الفاتورات

قبل نصف ساعة من انطلاق المباراة، امتلأت المقهى عن آخرها بالمتفرجين الذين جمعهم عشق الكرة وحب المنتخبات الأوروبية، وهناك عمدنا إلى استقاء بعض الآراء، التي جعلت هؤلاء المتفرجين يختارون المقهى، يقول خالد:" أفضل متابعة المباريات في المقهى مع الأصدقاء، لأن ذلك يضفي على المقابلة أجواء من الحماس والإثارة." وقد كثر الإقبال بشكل ملحوظ على المقاهي منذ انطلاق نهائيات كأس أوروبا، مما دفع بأصحابها إلى استغلال الفرصة وزيادة أثمان المشروبات، الشيء الذي لم يؤثر على نسبة الإقبال.
وإذا كان عشاق متابعة كأس أوروبا في المقاهي يبحثون عن أجواء الحماس، فهناك من يعتقد العكس، يقول كريم:"أفضل مشاهدة المباريات في البيت مع العائلة، لذلك قمت بشراء بطاقة الاشتراك في قناة الجزيرة الرياضية، حتى أضمن التعليق العربي، وحتى أتفادى ضجيج المقهى وكثرة المدخنين والألفاظ النابية."

قنوات أوربية مجانية تنقل الحدث

أما خبراء الفضائيات فهم دائما يجدون الحلول، ويتوفرون على شفرات لمشاهدة القنوات الأجنبية التي تقوم بنقل المباريات، أو يشترونها بأثمان بخسة أقل بكثير من ثمن بطاقة الاشتراك، كما هو الشأن بالنسبة لباقة القنوات الفرنسية المعروفة بtps، هذا دون أن ننسى المحطات التلفزيونية الأجنبية التي تنقل المباريات بشكل مجاني، دون الحاجة إلى البحث أن الشفرة، والتي يقول عنها إلياس وهو أحد المتتبعين لليورو 2008:"هناك سوبكاست وإم 6 وتي في1 وتيلسات ودوبلفي 3، بالإضافة إلى باقة القنوات السويسرية تي إف1 لمن أراد التعليق باللغة الفرنسية، وعموما أنا أفضل مشاهدة هذه القنوات حتى ولو كانت باللغة الفرنسية."
ثم يضيف ضاحكا:"وبالنسبة للذين يفهمون اللغة الألمانية فبإمكانهم مشاهدة كأس أوروبا على قناة زيد دي إف الألمانية."
والحقيقة أن حتى الذي لا يفهم الألمانية ويريد مشاهدة المباريات بالتعليق العربي فما عليه سوى توجيه جهاز الاستقبال نحو القمر عربسات ليتمكن من مشاهدة قناة الجزيرة الرياضية بدون بطاقة اشتراك، وهذا بالضبط ما يفعله رشيد الذي يقول:" مشاهدة التظاهرة ممكنة في "الفيد المفتوح" للجزيرة الرياضية في قمر عربسات بالتعليق العربي، إنها طريقة لمخادعة القناة ومشاهدة المباريات دون التوفر على بطاقة الاشتراك".

احتكار التعليق العربي فقط

إن ما نلاحظه من خلال كل هذه الآراء مجتمعة هو أن القنوات الأوروبية التي تنقل الحدث كثيرة ومتنوعة ومجانية، مما يجعل احتكار النقل داخل الوطن العربي بالنسبة للجزيرة الرياضية مجرد احتكار للتعليق العربي فقط، وما دام جل العرب يفهمون الفرنسية والإنجليزية فمتابعة مباريات العرس الأوروبي ممكنة ومتوفرة للجميع وبشكل مجاني.
لذلك يمكن القول إن المغاربة لم يتأثروا كثيرا بعدم تمكن القنوات المغربية من شراء حقوق بث مباريات اليورو، هذه القنوات التي لم تعد تقنع بمداخيلها من ضرائب المواطنين، وأصبحت تشترط شراء جهاز التي إن تي العجيب من أجل مشاهدة برامج أغلبها رديء، مع العلم أن الجهاز الخارق لا يضمن للمشاهد متابعة مباريات كأس أوروبا.

الاثنين، 9 يونيو 2008

هل تفقد الكرة المغربية هيبتها؟

بعد البداية الباهتة في مشوار إقصائيات كأس إفريقيا والعالم


أنس العقلي/أسبوعية المستقل

طرحت البداية الضعيفة للمنتخب الوطني في إقصائيات كأس إفريقيا والعالم عدة تساؤلات حول سبب فقدان الكرة المغربية للكثير من بريقها في الساحة الإفريقية والعالمية، خصوصا بعد فشل المنتخب المغربي في التأهل إلى كأس العالم لمرتين وكذلك خروجه السريع من نهائيات كأس إفريقيا في مناسبتين متتاليتين، دون إغفال الحضور الضعيف للأندية المغربية في المناسبات القارية..

لم يكن أكثر المتتبعين تشاؤما ينتظر من المنتخب الوطني ذلك الأداء الباهت وغير المقنع في أولى خرجاته في المشوار الإقصائي المزدوج المؤهل إلى نهائيات كأسي إفريقيا والعالم 2010، أمام منتخب إثيوبيا الذي يعد من أضعف المنتخبات العالمية، مما وضع علامة استفهام كبيرة حول سبب تراجع كرة القدم المغربية خلال العقد الأخير بشكل يدعو للقلق، حيث بدأ المنتخب الوطني يفقد هيبته بشكل تدريجي، رغم أن الإمكانيات أصبحت أكبر من مما كانت عليه في الماضي، وكذلك أجور اللاعبين والمدرب، كما تراجع أداء الأندية المغربية في الملتقيات القارية، لتحل محلها الأندية التونسية والمصرية. وأكبر دليل على ذلك الغياب الطويل عن نهائي كأس عصبة الأبطال الإفريقية وحتى عن الاتحاد الإفريقي.
لقد عجز المنتخب الوطني عن الفوز بكأس إفريقيا منذ ثلث قرن، وفشل في التأهل لكأس العالم خلال الدورتين الأخيرتين، وخرج من الدور الأول من نهائيات كأس إفريقيا لمرتين متتاليتين بشكل مخجل، وأخفق المنتخب الأولمبي في التأهل إلى دورة بيكين، وأمام اندهاش المتتبعين أقصي الجيش الملكي أمام فريق مغمور من الرأس الأخضر في الأدوار الأولى من إقصائيات عصبة الأبطال الإفريقية، وعجز الوداد عن تخطي عقبة وفاق سطيف في نهائي دوري أبطال العرب؛ وخلاصة القول أن الكرة المصرية والتونسية وحتى الجزائرية أصبحت تتفوق على نضيرتها المغربية بعدما كان العكس هو الحاصل ولعقود طويلة.
لقد كان المنتخب المغربي في وقت من الأوقات ندا قويا لأعتى المدارس العالمية، بدليل أنه كان أول منتخب عربي يتأهل إلى كأس العالم في دورة مكسيكو 1970 وأول منتخب عربي يتأهل إلى ثمن نهاية كأس العالم في مكسيكو 1986. هذا دون أن ننسى الفوز التاريخي باللقب الإفريقي في دورة أديس أبابا 1976 بإثيوبيا. ويمكن القول إنه إلى حدود نهائيات كأس العالم فرنسا 1998 كان المنتخب المغربي لا يزال يقدم عطاء جيدا، أما اليوم وبهذه الخرجة الخاطئة أمام منتخب إثيوبيا برسم إقصائيات كأسي إفريقيا والعالم 2010 فإن ما يبدو للملاحظين هو أن المنتخب يحتاج إلى عمل كبير إذا أراد الظهور بمظهر يليق بكرة القدم المغربية في هذه المنافسات.

الموارد المالية هي المشكل الأكبر

هناك من يرجع أزمة الكرة المغربية إلى ضعف التسيير، خصوصا وأن جامعة كرة القدم مؤقتة منذ سنة 1997، بالإضافة إلى أن مسيري الأندية في الغالب لا يفهمون في كرة القدم بقدر ما يفهمون في أشياء أخرى، وهناك من يرجع أسباب الأزمة إلى قلة الملاعب الصالحة لإجراء مباريات في كرة القدم، حيث لا يتوفر المغرب إلا على ثلاثة ملاعب تخضع للمعايير الدولية وهي مركب محمد الخامس ومركب مولاي عبد الله والمركب الجديد بفاس، والملاعب الأخرى هناك منها التي تتوفر على عشب جيد و لكنها صغيرة الحجم كملعب العبدي بالجديدة وملعب الأب جيكو بالبيضاء، أو تتوفر على مدرجات متوسطة الحجم لكن بأرضية غير صالحة لمقابلة في كرة القدم كملعب الفتح بالرباط والملعب البلدي بالقنيطرة، وهنا يتساءل المرء: هل كان المغرب يتوفر على ملاعب في المستوى في 1986 أو 1976؟.
ويمكن القول إن عدم وجود موارد مالية كبيرة يبقى من أهم الأسباب على الإطلاق في تراجع أداء الأندية المغربية على المستوى العربي والقاري، حيث أن الإمكانيات المادية للأندية المصرية كالأهلي والزمالك والتونسية كالترجي والنادي الإفريقي تفوق بكثير إمكانات الوداد والرجاء والجيش وغيرها، لذلك نجد الكثير من اللاعبين المغاربة الجيدين يختارون اللعب في الخليج العربي من أجل تحسين أوضاعهم الاجتماعية، بسبب ضعف الأجور في الأندية المغربية، لذلك يجد اللاعب المغربي نفسه مضطرا لقبول عرض خليجي، وبالتالي يقتل موهبته في دوريات تعرف منافسة ضعيفة، ولعل اللاعب سفيان علودي أوضح نموذج على هؤلاء.
وبالمقابل لا يوجد لاعب تونسي أو مصري في الدوريات الخليجية، لأن هذين البلدين يصنعان النجوم، ويوفران الأجور العالية والملاعب الجيدة، كما يوظفون مسيرين لهم خبرة بكرة القدم وغيرة على منتخب بلادهم. لذلك فمن الطبيعي أن تتوج مصر ببطولة إفريقيا لمرتين متتاليتين في 2006 و 2008، وتتوج تونس بنفس البطولة سنة 2004 وتتأهل إلى كأس العالم 2006، دون أن ننسى سيطرة الأندية التونسية والمصرية على عصبة الأبطال الإفريقية وكأس الكاف والسوبر، في الوقت الذي يبحث فيه الرجاء والوداد فقط عن كأس العرب من أجل الجوائز المالية.

التجنيس الرياضي وهجرة اللاعبين

كل هذا أدى إلى مشاكل جديدة بدأت تعاني منها الكرة المغربية، على رأسها مشكل التجنيس الرياضي، ورفض عدد من اللاعبين المغاربة بأوروبا تلبية نداء المنتخب الوطني، حيث فضلوا اللعب بالبلدان التي يمارسون فيها، كما هو الشأن بالنسبة لإسماعيل العيساتي وعادل تاعرابت وابراهيم أفلاي وعادل الرامي، هذا الأخير الذي وصف لاعبي المنتخب الوطني بـ"الكلاب" في تصريح له أثار ضجة كبيرة.
كما ظهر أيضا مشكل (حريق) اللاعبين إلى أوروبا بشكل غير قانوني بسبب هزالة الرواتب، كما حصل مع مروان زمامة ويوسف قديوي وغيرهما، حيث يقبل خيرة اللاعبين عروض الاحتراف في الدوريات الأجنبية من أول وهلة، باحثين عن مستقبل أضمن، وهو ما لا نجده مثلا في الدوري المصري أو التونسي بسبب الرواتب الجيدة.
إن المغرب بلد زاخر بالمواهب الكروية والطاقات الواعدة، وما تجنيس هولندا وفرنسا والدول الأوروبية للاعبين المغاربة إلا دليل على كفاءة اللاعب المغربي، لذلك فالحل الأوحد هو استثمار طاقات ومواهب البلاد، وتعد فكرة مؤسسة "القدم الذهبي" فكرة عملية وجيدة من الناحية النظرية، ولكنها لحد الآن لم تعط ثمارها المرجوة.
وينتظر المتتبعون الكثير من المدارس الرياضية المنتظر إنشاؤها وعلى رأسها أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التي ستعمل على تأطير الشباب كرويا وعلميا حتى نحصل على أبطال رياضيين لهم مستويات دراسية عالية.
هذا إلى جانب الإصلاحات التي ستشهدها مجموعة من الملاعب الوطنية خلال نهاية هذا الموسم، وعلى رأسها إصلاح المنصة المغطاة لمركب الأمير مولاي عبد الله بالرباط التي تعرف تصدعات، وتركيب لوحة إلكترونية بمواصفات دولية بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء، وبناء مدرجات إضافية في ملعب 20 غشت بالخميسات وكذلك بملعب العبدي بالجديدة، وتزويد ملعب الانبعاث بأكادير بعشب اصطناعي، كما تروج في الأوساط الرياضية أخبار حول بناء مركب رياضي بمارتيل وآخر بخريبكة.

انفلات الأسعار يهدد المغاربة بالمجاعة

بعد الزيادات الصاروخية في أسعار المواد الغذائية

أنس العقلي/جريدة المستقل

عرفت المواد الغذائية الأساسية خلال الأشهر الأخيرة زيادات قياسية غير مسبوقة، وهو ما جعل الأمم المتحدة تصنف المغرب في خانة الدول المهددة بالمجاعة، وإذا كان المغاربة قد أعلنوا انهزامهم أمام ارتفاعات الأسعار الحالية، فإن هذه ما تزال مرشحة لارتفاعات مهولة خلال الأيام القادمة..

قالت نانسي رومن مديرة الاتصالات ببرنامج الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إن تواصل ارتفاع أسعار المواد الغذائية يهدد بارتفاع نفقات الأسر المغربية، وبالتالي حدوث اضطرابات اجتماعية بسبب سوء التغذية والجوع ذي الطابع الخاص. ويبقى المغاربة مهددين بالجوع إلى جانب كل من بوركينا فاصو والكاميرون السنغال. وقالت نانسي رومن إن ارتفاع أسعار الغذاء في الأسواق الدولية منذ صيف 2007 بنسبة 40 في المائة هو السبب الأساسي في هذه الزيادات. ووجهت المسؤولة الأممية في هذا الصدد نداء عاجلا للمجتمع الدولي، شددت فيه على أن الوضع أصبح أكثر حرجا من أي وقت مضى، خصوصا خلال الأشهر الستة الأخيرة. ويذكر أن الفئات الفقيرة من المجتمع المغربي لم تشهد منذ ثمانينات القرن الماضي تدهورا في المستوى العام للمعيشة وانهيارا في القدرة الشرائية مثل الذي شهدته خلال الشهور الأخيرة.

انفلات الأسعار

أصبحت القدرة الشرائية للمواطن المغربي في مهب الريح بعد تقلبات السوق الدولي وبورصات المضاربة في المواد الأساسية، بعد أن أصبحت مجموعة من المواد الغذائية خارج نطاق التحكم، على رأسها الحبوب والزيوت والحليب والخضراوات واللحوم بأنواعها. في الوقت الذي أصبحت فيه الحكومة المغربية عاجزة عن التصدي لانعكاسات الأسعار الدولية على السوق الداخلي، وأصبحت ترفع شعار حرية الأسعار وتكتفي بحصر دائرة اهتمامها في دعم المحروقات والسكر والخبز. ومما زاد الطين بلة اعتماد الحكومة الضريبة على القيمة المضافة مما زاد في تأجيج لهيب الأسعار أكثر فأكثر.
وتم يوم الأربعاء الماضي إقرار زيادة جديدة في أسعار غاز البوتان، حيث ارتفع ثمن القنينة الصغيرة من عشرة دراهم إلى خمسة عشر درهما، بينما ارتفع ثمن القنينة الكبيرة من أربعين إلى خمسين درهما دفعة واحدة، وتعتبر هذه الزيادة الصاروخية الأولى من نوعها من سنوات.
وما دامت مادة البوتان مقننة الأسعار وتدعمها الحكومة من خلال صندوق المقاصة، فمن هي الجهة التي رخصت بالزيادة في أسعار غاز البوتان؟ خصوصا أن الحكومة خلال السنتين الأخيرتين أعلنت عن مجموعة من الزيادات في أسعار المحروقات، واستثنت منها غاز البوتان تفاديا للتأثير على القدرة الشرائية للمواطن البسيط.
وعرف زيت المائدة بدورة ارتفاعا مهولا خلال الشهور الأخيرة تجاوز المائة بالمائة، حيث انتقل سعره في ظرف وجيز من ثمانية دراهم إلى خمسة عشر درهما للتر، ويعزى سبب ذلك إلى دخول مادة الصوجا المستعملة في صناعته، في صناعات أخرى، مما جعل أسعارها ترتفع بشكل مطرد في الأسواق العالمية.
وقد تجاوزت نسبة الزيادة بالنسبة لبعض المواد الغذائية الأخرى أيضا مائة بالمائة، كما هو الشأن بالنسبة لمادة الدقيق، حيث انتقل سعرها تدريجيا في مدة قياسية من 5.50 إلى 6.50 درهما ليصل في الأخير إلى عشرة دراهم، وهو سعر قياسي يهدد بقوة القدرة الشرائية للمواطنين. وعرف القمح بدوره زيادة صاروخية بلغت بنسبة ثلاثين بالمائة، حيث انتقل السعر من 455 درهما إلى 650 درهما للقنطار الواحد.
ومست الزيادات أيضا مشتقات القمح كمادة السميد التي وصل سعر الكيلوغرام منها إلى تسعة دراهم بعدما لم يكن يتجاوز ستة دراهم. وقد فوجئ المواطنون بسلسلة الزيادات المتتالية خلال فترة قياسية التي أصبحت حديث الناس وشغلهم الشاغل.
ويواجه المواطن المغربي غلاء المواد من جهة، والمضاربات في الأسعار من جهة أخرى، حيث يعمد التجار الانتهازيون إلى استغلال الفرص والاحتكار والزيادة في أسعار المواد بشكل غير قانوني، مع عدم تعليق لائحة الأسعار في ظل غياب مراقبة حقيقية.

انتفاضة المواطنين

وعرفت مجموعة من المدن المغربية العديد من الاحتجاجات والمظاهرات العارمة بفعل تردي الأوضاع وغلاء المعيشة واحتكار الثروات، ولم تكن أحداث صفرو في 23 من شتنبر الماضي سوى بداية لمجموعة من الوقفات الاحتجاجية ضد الغلاء، التي نظمتها التنسيقيات في مجموعة من المدن والمراكز، رغم التشديد في إجراءات الترخيص بخصوصها، تفاديا للانفلات الذي جرى بصفرو وضواحيها.
ومن بين مظاهر الاحتجاج لدى المواطنين انتفاض الشارع المراكشي يوم الجمعة 29 فبراير 2008 بباب دكالة، حيث انضم مئات المواطنين إلى الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها التنسيقية المحلية لمناهضة الغلاء وتدهور الخدمات الاجتماعية. وعكست الوقفة الغضب الذي أصبح الكثيرون يشعرون به وهم يعاينون تزايد الأسعار أمام قلة ذات اليد وهزالة الأجور.
ورفع المتظاهرون في مراكش شعارات مناوئة لغلاء الأسعار في الوقفة التي دامت أكثر من ساعة ونصف. كما حملوا خبزات صغيرة تعبيرا منهم على غلاء المعيشة وتنديدا بالزيادات المتتالية في مادة الدقيق والمواد الغذائية الأخرى، وكذلك ارتفاع أسعار المواد الأساسية والخدمات الاجتماعية، من فواتير الماء والكهرباء ورسوم العلاج، التي كانت بمثابة النقطة التي أفاضت كأس الغضب الجماهيري في مختلف
جهات المغرب.
وعرفت العاصمة الرباط بدورها احتجاجات للمواطنين على ارتفاعات الأسعار، حيث سبق للتنسيقية الوطنية لمناهضة ارتفاع الأسعار أن نظمت مسيرة وطنية يوم 24 دجنبر 2006 بالرباط تحت شعار ''جميعا ضد ضرب القدرة الشرائية للجماهير الشعبية''، وشاركت في المسيرة 73 منسقية من مختلف أقاليم المملكة.
ورفع المحتجون خلال المسيرة شعارات منددة بارتفاع لأسعار، كما رفعوا قطع الخبز تعبيرا عن الاحتجاج على الزيادة في المواد الغذائية. وقام بعض الشباب تعليق علب فارغة للحليب على صدروهم وحمل ملاعق وصحون، للتعبير عن ارتفاع الأسعار، كما حمل بعضهم أعلام ''تشيغفارا'' بينما حمل البعض الآخر العلم الفلسطيني.
السوق المغربية والسوق الدولية
ينعكس تزايد أسعار النفط والفحم في الأسواق الدولية بشكل مباشر على الأسعار بالمغرب، وقد أصبحت الزيادات المتتالية في سعر استهلاك الوقود بالمغرب، وما يعقبها في الغالب من ارتفاع في أسعار بعض المواد الأساسية والخدمات، تثير قلقا كبيرا لدى العموم، لارتباطها المتزايد بتقلبات الأسعار العالمية للبترول. وقد اكتفت الدولة في كل مرة بتبرير الزيادة في أسعار المحروقات بارتفاع أسعار البترول في الأسواق العالمية، كما بررت الزيادة الأخيرة في سعر استهلاك الكهرباء بصعود أسعار الفحم وباقي المحروقات، والتي تدخل بنسبة تسعين بالمائة في إنتاج الطاقة الكهربائية بالمغرب، في غياب بدائل أخرى للطاقة.
فعلى سبيل المثال اضطرت الحكومة المغربية إلى تقرير زيادات في مادة السكر، التي يستوردها المغرب، بسبب ارتفاع تكلفة مادة "الميتانول" المستخرجة من قصب السكر، بسبب ارتفاع أسعار البترول، وهو ما أدى إلى تقلص العرض من السكر في الأسواق العالمية، وبالتالي إلى زيادة سعر بيعه في هذه الأسواق، وزيادة سعره تبعا لذلك بالأسواق المغربية.
ونفس الشيء يقال عن زيت الزيتون التي ارتفع الطلب على استهلاكها في ظل تراجع مستوى الإنتاج بالعديد من الدول المصدرة، خاصة بأسبانيا، وهذا ما أدى إلى ارتفاع قياسي في ثمن بيع هذا المنتوج بالمغرب.
إن الحكومة المغربية لا يجب أن تقوم بدور المتفرج حيال هذا الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الأساسية، بل هي مجبرة على الأقل على وضع استراتيجية عمل، كما هو الحال في بعض الدول الإفريقية كسييراليون، من أجل تأمين نسب مهمة من حاجيات الاستهلاك الضرورية. كما يجب العمل على رفع أجور ذوي الدخل المحدود وتطبيق السلم المتحرك للأجور بما يوازي الحد الأدنى للمعيشة، حتى لا ينضاف المغرب صاحب الأراضي الخصبة والبحار الغنية إلى الدول التي تعاني من المجاعة.

عباس وحكومة الإفلاس

شهد المغرب عدة إخفاقات في العديد من المجالات منذ توليه منصب الوزير الأول

أنس العقلي/جريدة المستقل

إذا كان المثل المغربي يقول "النهار باين من صباحو"، فإن حكومة عباس الفاسي صاحبتها الإخفاقات حتى قبل ميلادها، حيث جاءت هذه الحكومة ابنة غير شرعية لانتخابات استثنائية نزلت نسبة المشاركة فيها إلى 37 بالمائة في سابقة من نوعها بالمغرب، ومنذ تولي عباس منصب الوزير الأول والنكسات تنزل بالمغارب تباعا، بداية من الارتفاعات غير المسبوقة في الأسعار، مرورا بمحاكمات الصحفيين وسجن المسنين بتهم المس بالمقدسات، ووصولا إلى النكسات المتتالية التي حلت بالرياضة الوطنية..

بعدما دامت حكومة التناوب خمس سنوات ما بين 1997 و 2002 تحت رئاسة عبد الرحمان اليوسفي، جاءت حكومة التكنوقراط إدريس جطو، التي احتج عليها بعض الأحزاب في أول الأمر، حيث كان حزب الاتحاد الاشتراكي يتكلم عن المنهجية الديموقراطية، قبل أن يضطر إلى مسايرة قطار المنهجية التكنوقراطية.

حكومة نجاة

دام المخاض العسير خمس سنوات من 2002 إلى 2007، ليعرف المغرب انتخابات استثنائية من حيث عدد المشاركين، حيث سجلت انتخابات 7 شتنبر 2007 أضعف نسبة مشاركة في تاريخ البلاد، لم تتجاوز 37 بالمائة من عدد المواطنين.
وهكذا حصل حزب الاستقلال على 10.7 بالمائة من 37 بالمائة المصوتة، ليتم تعيين عباس الفاسي وزيرا أول؛ بعدما نجا من قضية النجاة، التي قضت على آمال آلاف الشباب المغربي المعطل، حيث لجأ بعضهم إلى القضاء وقاموا برفع دعاوى ضد عباس، بينما بلغ الأمر بالبعض منهم إلى الإقدام على الانتحار.
هذه النتائج الهزيلة جعلته أضعف وزير أول في تاريخ المغرب، وانعكس ذلك حتى على مشاركته في انتقاء تشكيلة الحكومة حيث كان المستشار الملكي عبد العزيز مزيان بلفقيه وراء اقتراح أسماء العديد من الوزراء وتقديمهم للملك بعد الاستعصاء الذي واجهه عباس الفاسي في انتقاء التشكيلة الحكومية. وعلى ذكر التشكيلة الحكومية فقد تميزت بإنزال عدد من الوزراء اللامنتمين، ويتعلق الأمر بعزيز أخنوش وأمينة بلخضرة وأحمد اخشيشن ونوال المتوكل والسعدية قريطيف (ثرية جبران).
ولم نشاهد أثرا لبصمة عباس الفاسي حتى اليوم، بالرغم من مرور أربعة أشهر على توليه مهمة الوزارة الأولى في أضعف حكومة في تاريخ المغرب، والتي ضمت عددا من ذوي القربى لعباس، مثل صهره نزار البركة الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة، وقريبته ياسمينة بادو وزيرة الصحة.
ومنذ تولي عباس رئاسة الحكومة تكالبت على المغرب مجموعة من الكوارث تباعا، بداية من الارتفاعات غير المسبوقة في الأسعار، مرورا بمحاكمات الصحفيين وسجن الشيوخ المسنين بتهم المس بالمقدسات، ووصولا إلى النكسات المتتالية التي حلت بالرياضة الوطنية.

مصائب متعاقبة

فقد عرف المغرب منذ مجيء حكومة عباس الفاسي ارتفاعات صاروخية في الأسعار لم يشهد لها مثيلا، ارتفاعات وجدت أمامها شعبا يعاني من تفشي الفقر المدقع والبطالة، حيث كان المغاربة يعانون الأمرين مع الضعف الكبير في القدرة الشرائية حتى قبل هذه الزيادات الأخيرة، وبدل أن تقوم الحكومة الجديدة بحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الحادة التي يعاني منها المواطن المغربي، اتخذت موقف المتفرج من الارتفاعات القياسية في الأسعار متذرعة بذريعة مسؤولية السوق الدولية في ارتفاع أسعار المواد الأساسية.
وهكذا ولأول مرة عرفت مدينة صفرو احتجاجات وانتفاضات شعبية ضد ارتفاع الأسعار اتخذت طابعا عنيفا، اضطرت معه السلطات إلى الرد بقوة واعتقال مجموعة من المتظاهرين من أجل احتواء الوضع، وذلك بعدما بلغ السيل الزبى وأصبحت القدرة الشرائية للمواطن المفقور في مهب الريح، دون أن تستطيع حكومة عباس فعل أي شيء للتقليل من حدة الأسعار. وقد انتقلت حمى الانتفاضات إلى مجموعة من القرى النائية، ناهيك عن المدن الكبرى كالعاصمتين الاقتصادية والإدارية للمملكة.
ومما زاد الطين بلة التقرير الأخير للبنك الدولي الذي صنف المغرب في خانة الدول المهددة بالمجاعة، بسبب التدني الحاد للقدرة الشرائية لدى المغاربة وهو ما يجعلهم غير قادرين على تحمل الزيادات الصاروخية في الأسعار.
وقد دعا بنك المغرب في بلاغ صدر عنه يوم الثلاثاء الماضي إلى توخي الحذر تجاه مخاطر التضخم الذي قد تواجهها البلاد خلال الأشهر القادمة، حيث توقع مجلس البنك المركزي أن يصل معدل التضخم إلى 2.2 بالمائة خلال السنة الجارية، مقابل 2 بالمائة خلال سنة 2007. وكانت المندوبية السامية للتخطيط في الأسبوع الماضي قد أكدت أن معدل التضخم بالمغرب بلغ 2.4 بالمائة على أساس سنوي في فبراير، متنقلا من 1.7 بالمائة في يناير الماضي نظرا لارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ومما زاد في تدهور الوضع الاقتصادي هروب المستثمرين خلال الشهور الأخيرة، بداية من الشركات العملاقة ووصولا إلى المقاولات الصغرى والمتوسطة. ولعل من أكبر الأمثلة ما حدث في مشروع أبي رقراق حيث اختفت شركة "إعمار" الإماراتية التي كانت تمثل الشريك الأساسي لصندوق الإيداع والتدبير، وكانت تتحدث عن استثمار 18 مليار دولار في المشروع. ونفس الشيء حصل مع الشركة السياحية العملاقة "فاديسا"الإسبانية، التي بدأت تتجه نحو بيع بعض مشاريعه لمنعشين مغاربة، ولمقاولات قوية مثل "الضحى".
وقد شهد شاهد من أهلها عندما أكد عبد الله الهوري الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالجديدة في كلمة الافتتاح التي ألقاها بمناسبة احتفال المركزية النقابية بذكراها التأسيسية الثامنة والأربعين، أن تخليد هذه الذكرى جاء في ظروف حساسة " تتميز باتساع رقعة الفقر والتفقير وغلاء الظروف المعيشية وتفشي الرشوة والزبونية والمحسوبية وظروف الحياة البئيسة التي تتخبط في مستنقعها فئات عريضة من الشعب المغربي ومن العمال الذين يفتقرون إلى التأمينات الاجتماعية". وهكذا لخص الكاتب العام لهذه المنظمة النقابية التابعة لحزب عباس الفاسي معاناة شعب بكامله من الفقر الحاد والارتفاعات المهولة في الأسعار في عهد حكومة عباس.

حكومة السعدية

وجاء في التقرير الأخير لنانسي رومن مديرة الاتصالات ببرنامج الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، أن تواصل ارتفاع أسعار المواد الغذائية يهدد بارتفاع نفقات الأسر المغربية، وبالتالي فمن الوارد أن يتسبب في حدوث اضطرابات اجتماعية بسبب سوء التغذية والجوع ذي الطابع الخاص. ويظل المغاربة مهددين بالجوع إلى جانب كل من بوركينافاسو والكاميرون والسنغال. ولم تشهد الفئات الفقيرة من المجتمع المغربي منذ ثمانينات القرن الماضي تدهورا في المستوى العام للمعيشة وانهيارا في القدرة الشرائية مثل الذي شهدته خلال الشهور الأخيرة.
وفي ترتيب برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2007/2008 تراجع المغرب بثلاث نقط، وانتقل
إلى الرتبة 126 من بين 177 دولة، وقد صنف تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية المغرب ضمن البلدان ذات التنمية البشرية المتوسطة، لكن بمؤشر أقل من المتوسط العالمي، واستعمل التقرير مؤشرات مركبة، تضم متوسط العمر في كل دولة ومستوى الدخل الفردي وتوزيع الثروة، إضافة إلى مستوى التعليم التي احتل فيه المغرب المراتب الأخيرة بين الدول العربية.
وعرف عهد عباس عدة محاكمات للصحف ورجال الإعلام مثل ما حدث لأسبوعية "الوطن الآن"، حيث تم توقيف الجريدة ومحاكمة مديرها عبد الرحيم أريري والصحفي حرمة الله، هذا الأخير الذي تعرض لعقوبة سجنية نافذة. ولم تسلم أنجح المؤسسات الإعلامية المغربية من لعنة المحاكمات والمتابعات القضائية، حيث تعرضت يومية المساء لأربع قضايا توبع من خلالها مدير الجريدة رشيد نيني، وحكم على الجريدة في إحداها بأداء غرامة مالية بقيمة 600 مليون سنتيم في انتظار صدور بقية الأحكام، حيث يبقى رشيد نيني مهددا بالمنع من ممارسة مهنة الصحافة لمدة عشر سنوات.
وقد جاء تقرير منظمة (مراسلون بلا حدود) ليفضح الحيف الذي يمارس في المغرب ضد الصحافة في عهد حكومة عباس، حيث أكد تقرير المنظمة الفرنسية على أن الصحفيين المغاربة في سنة 2007 تعرضوا لكافة المخاطر التي قد تعرض مسارهم المهني للخطر، منها قيام الدولة بمحاكمة وسجن بعض الصحفيين ومصادرة منشوراتهم.
وورد في التقرير أن المغرب بعدما كان يحتل المرتبة 89 عالميا في حرية الإعلام سنة 2002 تراجع إلى المرتبة 106 عام 2007، وأرجع التقرير سبب هذا التراجع إلى أن الدولة استطاعت أن تخنق أصوات الصحفيين من خلال فوزها بأغلب القضايا التي رفعتها ضدهم.
وتميز عهد عباس أيضا بمحاكمات بتهم المس بالمقدسات، إحداها راح ضحيتها رجل بلغ من الكبر عتيا، عمره 95 سنة، حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة المس بمقدسات البلاد، قضى منها 5 أشهر قبل أن يقضي نحبه في السجن، ونفس الشيء حدث مع المواطن بوكرين من بني ملال البالغ من العمر 72 سنة، الذي تم الحكم عليه بالسجن بنفس التهمة. يحدث هذا في عهد الوزير الأول عباس الفاسي الذي اشتغل سابقا بالمحاماة وطالما كان يطلق النار على القضاء مطالبا بإصلاحه.
كما شهد المغرب منذ مجيء حكومة عباس مجموعة من الإضرابات التي قام بها موظفو مجموعة من القطاعات الحيوية في البلاد، ويتعلق الأمر بقطاعات التعليم والصحة والمالية، بالإضافة إلى السابقة التي شهدها المغرب لأول مرة في تاريخه، وهي انتفاضات واحتجاجات رجال البوليس، الذين خرجوا أخيرا عن صمتهم الذين دام عقودا طويلة.

أخطاؤه فادحة

استيقظ عباس الفاسي ذات صباح من النوم، فظن نفسه وزيرا أول. وأخذ صلاحيات الوزير الأول، حيث كانت وكالات التنمية في الشمال والجنوب والشرق تابعة بشكل مباشر للوزير الأول، ففوتهم لوزير الإسكان والتعمير والتنمية المجالية رفيق دربه في حزب الاستقلال توفيق احجيرة بدون استشارة القصر. وأسابيع بعد ذلك، أصدر الديوان الملكي بلاغا يلغي هذا القرار، فقال عباس الفاسي: "أنا فخور بأن الملك صحح لي هذا الخطأ." رغم أن هذا القرار صودق عليه من طرف كل من مجلس الحكومة والمجلس الوزاري والبرلمان والأمانة العامة للحكومة ونشر أيضا بالجرائد الرسمية.
وكان الخطأ الذي تسبب للمغرب والمغاربة في إهانة مرة أمام الغريم الجزائر هو إصدار وزير الخارجية المغربي بلاغا يدعو فيه الجزائر إلى فتح الحدود مباشرة بعد مفاوضات منهاست، وقوبل الطلب برفض راديكالي من الجزائر، وهو ما شكل إهانة للمغرب والمغاربة.
وتوالت الأخطاء في حكومة عباس الفاسي عندما قام وزير الداخلية شكيب بنموسى بكشف أسرار التحقيق في قضية بلعيرج، وسبق الأحداث والقضاء وأدان المتهمين قبل أن تدينهم المحكمة، وجاء الخطاب الملكي ليؤكد أن القضاء هو الذي يملك سلطة الإدانة أو التبرئة.
وانتقلت عدوى الإخفاقات التي شهدها المغرب في عهد حكومة عباس إلى المجال الرياضي، الذي لم يسلم بدوره من مجموعة من النكسات التي كان آخرها مهزلة نهائيات غانا 2008، وإذا كان الإجماع يحصل اليوم حول أن التسيير الرياضي التقليدي هو المسؤول عن هذا التراجع، فحكومة عباس الفاسي يؤاخذ عليها عدم قدرتها على وضع حد لسيطرة العسكر على كرة القدم، وبالتالي الدخول بالرياضة المغربية إلى مرحلة جديدة أكثر تطورا ودينامية ومواكبة لمستجدات العصر. ورغم انتفاضة الشارع المغربي وإجماعه الملح على إقالة الجامعة، فإن سعادة الوزير الأول لم يخرج عن هدوئه الأولمبي.
ومن المنتظر أن يكون أول نجاح للوزير الأول عباس الفاسي هو المشروع الذي يسعى حاليا لإنجازه، والذي يتعلق بتعديل قانون حزب الاستقلال ليصبح العدد الأقصى للولايات المسموح به للكاتب العام للحزب هو ثلاث ولايات بدل ولايتين. وبما أن عباس قد شارف على إنهاء ولايته الثانية، فقد أصبح اليوم يطمع في ولاية ثالثة تضمن له الحق في البقاء على رأس الحزب وفي منصب الوزير الأول.

هل السكن الاقتصادي سكن لائق؟

يبلغ حجم الخصاص في المغرب مليون وحدة سكنية


أنس العقلي/جريدة المستقل

يعاني المغرب شأنه شأن جل بلدان العالم من أزمة خانقة في مجال السكن، بسبب الانفجار الديموغرافي السريع الذي شهدته البلاد خلال العقود الأخيرة.. وهذا ما جعل الدولة تهتم بتوفير شقق اقتصادية لمحاولة تغطية النقص الحاصل.. ويبقى السؤال المطروح هو هل السكن الاقتصادي في المغرب يستجيب لمواصفات السكن اللائق؟

ارتفع الطلب على السكن بالمغرب بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين، وهو ما جعل أثمان العقار ترتفع إلى أرقام قياسية، خصوصا في المدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة.. وبالتالي فقد باتت مشاريع السكن تتصدر اهتمامات الحكومات المغربية المتعاقبة خلال هذه الفترة، خصوصا منها مشاريع السكن الاقتصادي، بالنظر إلى المستوى المتدني للقدرة الشرائية للغالبية العظمى من المغاربة، وهذا ما يفسر تبني الدولة لسياسات تحفيزية الغاية منها بلوغ وتيرة بناء مائة ألف سكن في السنة. ومن الملاحظ أن سياسة السكن الاقتصادي جاءت لتلعب دورين، فمن جهة يتم عرض الشقق الاقتصادية على الموظفين الصغار وأصحاب الدخل المحدود الغير قادرين على الحصول على سكن بتكاليف عالية، ومن جهة أخرى نجد أن الدولة توظف الشقق الاقتصادية من أجل إيواء الأسر والعائلات التي تم ترحيلها من مدن الصفيح خصوصا بمدينة الدار البيضاء الذي تسعى إلى التخلص من السكن غير اللائق الذي يشوه منظر وسمعة المدينة.

خصاص كبير و أثمان ملتهبة

إن الشباب اليوم أصبح مضطرا إلى السكن في شقق اقتصادية بسبب الغلاء الكبير والأثمان الملتهبة للعقار في المدن الكبرى، بسبب النقص الحاد والخصاص الكبير الذي يعرفه المغرب في مجال السكن، والذي يقدر بما يفوق مليون وحدة سكنية، حيث أن مدينة الدار البيضاء وحدها عرفت هبوطا ملموسا فيما يخص الأراضي الصالحة للسكن في السنوات الأربع الأخيرة، حيث نزل رقمها من 46 ألف وحدة سكنية سنة 2003 إلى 17 ألف وحدة سكنية فقط سنة 2007. وهذا الخصاص الذي يعرفه الوعاء العقاري بالعاصمة الاقتصادية هو الذي أصبح يجبر المواطن على اللجوء إلى السكن الاقتصادي رغم مساوئه العديدة وسلبياته التي أصبح الجميع يعرفها. فالعمارة التي تأوي ثمان أسر نجد أن جدرانها ناقلة ممتازة للصوت، فإذا تكلم ساكن الطابق الأول سمعه صاحب الطابق الثالث بكل سهولة، أما إذا كان هناك ضرب على الجدار أو على الأرض فحدث ولا حرج، وكثيرة هي الطرائف التي تتحدث عن هذه المشاكل التي تعرفها الشقق الاقتصادية، منها حكاية المرأة التي تتابع مسلسل خصومة جارتها مع زوجها بشكل يومي عن طريق الاستماع عبر الحائط.
وبعملية حسابية بسيطة يمكننا أن نتوقع المآل الذي ستؤول إليه الأوضاع في شقق السكن الاقتصادي في المستقبل، فإذا اعتبرنا أن كل عمارة تأوي ثمان أسر تتكون كل أسرة من والدين و طفل-في حالة وجوده-، فمن المؤكد أن المستقبل سيحمل معه المزيد من الأطفال، و إذا اعتبرنا أن كل أسرة ستعرف مواليد جددا فذلك ما يعني أن عدد السكان داخل العمارة سيتضاعف خلال وقت وجيز، وسيحتاج الأبناء إلى مجموعة من المتطلبات التي لن تضمنها لهم شقة اقتصادية مصممة لشخصين أو ثلاثة على الأكثر. وبالتالي سنجد أنفسنا بعد بضعة سنوات أمام عمارات وإقامات تغص بأفواج من المواطنين الذين يعانون من ظروف سكنية غير لائقة أو على الأقل لا تستجيب لحاجياتهم.
و المشكل الذي تعاني منه الدار البيضاء اليوم هو الارتفاع الكبير في أثمنة العقار حتى المتعلق بالشقق الاقتصادية، حيث بلغ ثمن الشقة (60 مترا) في بعض الأحياء أربعين مليون سنتيم. و هذا ما جعل عددا كبيرا من المنعشين العقاريين ينفتحون على مدن أخرى لا زال وعاؤها العقاري أكثر خصوبة. وهذا ما يفسر لجوء الدولة إلى اتباع استراتيجية تسعى إلى إحداث مدن جديدة إما فلكية أو مستقلة، بغاية إيجاد حل ناجع لأزمة السكن بالمغرب من جهة، وللمساهمة في القضاء على آفة مدن الصفيح من جهة ثانية. حيث تجري حاليا دراسة أمر تشييد مجموعة من المدن الجديدة وهي زناتة بضواحي مدينة الدار البيضاء وتامسنا بضواحي الرباط و تامنصورت بضواحي مدينة مراكش وملوسة بضواحي طنجة وتكاديرت بجوار مدينة أكادير بالإضافة إلى مدينة الخيايطة بجوار حد السوالم. وستشكل هذه المشاريع أقطابا حضارية ستساهم و لو بشكل نسبي في امتصاص الضغط العمراني الكبير على المحاور الحضرية الكبيرة المجاورة لها.

من سكن غير لائق إلى سكن غير لائق

إن السكن مهما كانت بساطته ومهما قلت تكاليفه لا بد أن يستجيب للحد الأدنى من معايير السكن الصحي والمريح ليضمن كرامة ساكنيه، حيث لا بد من توفر المساحة الكافية والجودة في البناء والمساحات الخضراء بالإضافة إلى واجهة على الشمس، عملا بالمثل القائل: البيت الذي تدخله الشمس لا يدخله الطبيب. ولكن مع الأسف نجد أن الكثير من الشقق الاقتصادية لا تدخلها الشمس ولا توفر لأصحابها الظروف الإنسانية المرجوة، وغالبا ما نجد السبب تقصير المستثمرين العقاريين الذين يدفعهم الجشع إلى عدم احترام التخطيط العقاري من أجل تحقيق أكبر ربح ممكن ولو جاء على حساب مصلحة السكان الذين يعتبرون الخاسر الأكبر في هذه الحالة. وتماشيا مع هذا فكثيرا ما نجد مؤسسات البناء والتجهيز ترفض تجهيز المساحات الخضراء داخل الإقامات السكنية بدعوى أن البلدية هي المسؤولة عن ذلك، في الوقت الذي تتنصل البلديات بدورها من المسؤولية وترمي الكرة إلى الطرف الأول، و هكذا يضيع حق السكان في المساحات الخضراء بين هؤلاء وأولئك.
وبالإضافة إلى غياب المساحات الخضراء الكافية يجد سكان الشقق الاقتصادية مجموعة من المشاكل، على رأسها عدم إتقان البناء الذي يتجلى في كثرة التسربات المائية و التشققات على الجدران. وهنا يطرح سؤال عريض حول مدى استجابة البناء للمواصفات المحددة في التخطيط العقاري سواء من حيث احترام المساحات المخصصة للنباتات أو من حيث احترام المعايير الدولية فيما يخص جودة البناء.
أما بالنسبة للأسر التي تم نقلها من السكن غير اللائق فتلك حكاية أخرى، حيث نجد أن غالبية هذه الفئة تذمرت بشكل كبير خصوصا بعدما وجدوا أنفسهم قد انتقلوا من سكن سيء إلى سكن أسوأ. و قد كنت راكبا في الحافلة (خط 144) الذي ينتهي مساره في حي النسيم بالدار البيضاء عندما جلست بجانبي سيدة عجوز، ودون أن أكلمها بدأت تكلمني لوحدها بكل حرقة عن نمط عيش أسرتها في المدينة القديمة الذي كان أفضل بكثير من الواقع الذي أصبحوا يعيشونه في حي النسيم، فقد كانوا رغم تواضع محل سكناهم يستفيدون من الرواج الكبير الذي تعرفه المدينة القديمة و يمارسون عدة أنشطة تجارية بسيطة تدر عليهم دخلا كافيا، أما اليوم ففي حي النسيم الشقق ضيقة والبناء رديء والموقع غير صالح لا للتجارة ولا لأي شيء آخر بسبب وقوعه في منطقة شبه منعزلة و بعيدة عن مراكز الكثافة السكانية المرتفعة. وقد وجدت العائلات المنقلة من كاريان (السكويلة) نفس المشكل في حي ( أناسي) الذي لم يكن أفضل حالا من دور الصفيح في نظر الكثيرين منهم، بالنظر إلى أن الكثير من الأسر الذي كانت (تنعم) بسكن مستقل في كاريان السكويلة أصبحت تجد نفسها معلبة داخل أقفاص ضيقة من الحديد والإسمنت في حي أناسي.
والمشكل الأبرز فيما يخص الشقق الاقتصادية هو أن الكثير من الوافدين يأتون معهم بعادات وسلوكات غير مستحبة ودخيلة عن المجتمع المغربي، حيث يجهل البعض منهم أبجديات ثقافة الملكية المشتركة، و بالتالي يعيثون فسادا في المرافق المشتركة التي هي ملكهم بالدرجة الأولى، من تخريب النباتات إلى وضع أكياس القمامة في السلالم و إغراق النوافذ و الشرفات بتعليق مجموعة من الأغراض والأشياء التي تشوه جمالية العمارة، و إذا كان المثل المغربي يقول: الوجه المشروك عمرو ما يتغسل فإنه ينطبق بشكل كبير على ساكنة الشقق الاقتصادية. والسبب طبعا هو تباين طباع الأشخاص و اختلاف ثقافاتهم و قناعاتهم، وهو ما قد يجعلهم يختلفون في كل شيء و لا يجمعهم إلا السكن المشترك.

عندما أصبحت كرة القدم تقتل اللاعبين

أعد الورقة وأجرى الحوار: أنس العقلي
أسبوعية المستقل المغربية

لقد جاء قرار الفيفا بضرورة فرض فحوص وقائية إجبارية على قلوب اللاعبين المشاركين في جميع البطولات الدولية بعد تفاقم ظاهرة الموت المفاجئ، الذي بات يفاجئ ما يقارب الألف رياضي في السنة، حسب التقرير الأخير للاتحاد الدولي لكرة القدم.. ما هي أسباب وفيات اللاعبين على رقعة التباري؟ وما هي الحلول الممكنة لوقف هذا النزيف؟.. أسئلة وأخرى سنحاول الإجابة عنها من خلال الورقة التالية:

بحث الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) أكثر من مرة مسألة فرض فحوص وقائية على قلوب اللاعبين الذين يشاركون في كافة البطولات الدولية، وذلك بناء على توصية لجنة الفيفا الطبية، بعد تسجيل مجموعة من حالات وفيات اللاعبين خلال السنوات الأخيرة.
ومن أشهر الحالات التي اهتز لها المشهد الرياضي الدولي خلال الموسمين الأخيرين وفاة اللاعب الإسباني أنطونيو بويرتا عن سن يناهز الثانية والعشرين سنة إثر نوبة قلبية مفاجئة دهمته خلال مباراة فريقه إشبيلية أمام نادي خيطافي برسم البطولة الإسبانية. وتبعه بيوم واحد اللاعب الزامبي الدولي شاسوي نوسوفا الذي سقط أثناء التداريب مع إحدى الأندية الإسرائيلية.
وأعادت هذه الحالات على الذاكرة مجموعة من الحالات الشهيرة مثل ما حدث عام 2003 مع الدولي الكاميروني فيفان فويه رفقة منتخب بلاده أمام كولومبيا حيث توفي على أرضية الملعب عن سن يناهز الثامنة والعشرين، واللاعب المجري فيكلوس فيهر لاعب فريق بينفيكا البرتغالي والذي توفي أثناء إحدى المباريات برسم الدوري المحلي سنة 2004.
وتبقى أسوأ ذكريات الجمهور المغربي هي حالة وفاة اللاعب يوسف بلخوجة سنة 2001 في لقاء نصف نهاية كأس العرش بين الوداد والرجاء. وهي الذكرى التي اكتوى بنارها جمهور الوداد خاصة، والجمهور المغربي بشكل عام. حيث تحولت فرحة الوداديين بالفوز والتأهيل إلى مأساة حقيقية شاركهم فيها كل الجمهور المغربي، بعدما لفظ مدافع الوداد والمنتخب آنذاك أنفاسه على أرضية ملعب محمد الخامس عن سن يناهز الثامنة والعشرين.
ومن الحالات العربية الشهيرة أيضا وفاة النجم التونسي الهادي برخيصة عام 1995، لتبقى آخر حالة عربية هي وفاة لاعب نادي الأهلي والمنتخب المصري محمد عبد الوهاب سنة 2006 الذي سقط بشكل مفاجئ أثناء التداريب رفقة فريقه الأهلي إثر هبوط حاد في الدورة الدموية.
ويمكن القول إن السبب في تزايد وفيات اللاعبين على أرضية الملعب ما أصبحت تكتسيه كرة القدم والرياضة عامة من صبغة تجارية، تدفع الممارسين إلى بذل المزيد من الجهود في سبيل بلوغ المال والنجاح، في بطولات احترافية قوية، تحتدم فيها المنافسة بشدة بين أكبر النجوم. و هو ما يدفع اللاعبين أحيانا إلى بذل جهود فوق طاقة قلوبهم، وهو ما يعرضهم للخطر.
ويتم تسجيل ألف حالة وفاة للرياضيين على أرضية التباري كل سنة في جميع الرياضات، وهذا ما جعل المتتبعين يؤكدون على ضرورة توفير كافة الاحتياطات الطبية اللازمة داخل الملاعب أو الصالات الرياضية، وألا يقتصر الأمر على وجود اختصاصيي العلاج والمسعفين بقدر ما يجب توفير أطباء متخصصين ينتشرون في كافة الملاعب لإنقاذ أرواح الكثير من الرياضيين المهددين بالموت المفاجئ في أية لحظة.

وللاقتراب أكثر من تفاصيل الموضوع أجرت المستقل حوارا مع الدكتور عبد الرزاق هيفتي طبيب فريق الوداد البيضاوي والمنتخب الوطني المغربي:

* ما هي أهم العوامل التي تتسبب في وفاة اللاعبين على أرضية الملعب؟

ترجع حالات وفيات اللاعبين على أرضيات الملاعب إلى مجموعة من العوامل، أهمها الأمراض القلبية التي تشكل حوالي 95 بالمائة من الحالات. ولهذا بدأ التفكير الجاد للفيفا بفرض فحوصات إجبارية على قلوب اللاعبين الذين سيشاركون في كافة البطولات الدولية.

* هل الفحوص الطبية على القلب هي الحل الأمثل؟

طبعا سيكون للفحوص الطبية أثر إيجابي في الحد من هذا المشكل الذي بات يؤرق المهتمين بالشأن الرياضي في كل أنحاء العالم. وفي المغرب أيضا يبقى فرض الفحوص الإجبارية على جميع اللاعبين دون استثناء هو الحل الأنجع للتقليص من هذه الظاهرة، مع العلم أن القضاء بشكل كلي عليها يبقى أمرا مستحيلا.

* هل بمقدور جميع الفرق المغربية إجراء فحوص وقائية لجميع لاعبيها؟

بالنسبة للفرق الكبيرة كالوداد والجيش الملكي والرجاء، فهي تفرض هذه الفحوص على جميع لاعبيها بدون استثناء. ولكن مع الأسف المشكلة هي في الفرق الصغيرة التي لا زالت لم تعمم الفحص الطبي على جميع اللاعبين بسبب ضعف الإمكانيات.

* ما هو التوقيت المناسب لإجراء الفحوص الوقائية على القلب؟

إن سبب الموت المفاجئ هو وجود أمراض قلبية هي في الغالب تشوهات خلقية تلازم اللاعب دون أن يكتشفها، بسبب انعدام أية أدلة واضحة دالة عليها، من هنا تأتي أهمية الفحص الطبي الذي يجب أن يخضع له اللاعب مرة كل سنتين أو ثلاث سنوات على الأكثر.

* في حالة إسفار الفحص الطبي عن وجود إصابة، هل هناك أمل في عودة اللاعب إلى ممارسة كرة القدم؟

الأمر يتوقف على نوع الحالة. فهناك حالات يمكن علاجها، وبالتالي يستطيع المريض أن يعود من جديد إلى أرضية التباري في وضع صحي أفضل. مثلما حدث مع اللاعب النيجيري كانو الذي اكتشف مرضه بالقلب وأجرى عملية جراحية تكللت بالنجاح وعاد من بعدها إلى الملاعب الرياضية. وهناك بالمقابل حالات أخرى غير قابلة للعلاج، وهنا يتوجب على اللاعب المصاب ألا يمارس اللعبة نهائيا.

اللعب بالنار في المدرجات

يشترونها من الميناء، ويسللونها إلى داخل الملعب تحت ثياب الفتيات
حذار من(الفلامات) أو اللعب بالنار في المدرجات!

أنس العقلي/أسبوعية المستقل

ما إن انطلقت مباراة الوداد ووفاق سطيف، حتى اشتعلت جنبات مركب محمد الخامس بالشعلات الاصطناعية في مشهد رهيب، وانطلقت الألعاب النارية التي أصبحت تحضر بقوة في ملاعبنا الوطنية خصوصا في اللقاءات الكبيرة، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الأجهزة الأمنية من أجل منع إدخالها للملعب.. كل التفاصيل المثيرة لاقتناء (الفلامات) وطرق تسريبها إلى داخل الملعب في هذا الروبورتاج:

مع انطلاق لقاء الوداد ووفاق سطيف، بدأ الجمهور الذي حضر من مختلف أنحاء المغرب ممارسة هوايته في اللعب بالنار كوسيلة لتشجيع الفريق وبث الروح الحماسية داخل صفوف اللاعبين، واكتست مدرجات مركب محمد الخامس بحلة برتقالية بهيجة أضفت عليه بهاء وجمالا يسحر الألباب، زاد من روعته أن الوقت كان ليلا، مما جعل النيران تبدو ساطعة متألقة في لونها البرتقالي الوهاج. ولكن هذا الجمال ينطبق عليه المثل القائل: "ليس كل ما يلمع ذهبا"، لأن هذه الألعاب النارية تشكل خطرا كبيرا على سلامة المتواجدين بالملعب، وتتسبب بسهولة في حروق خطيرة للإنسان.

(الفلامات) مصنوعة خصيصا للبحارة

انتظرت حتى نهاية الشوط الأول، وأخذت أشق طريقي بين الجماهير الغفيرة إلى حيث تستقر جماعة كبيرة المشجعين المهووسين بعشق الكرة، والذين وصل بهم جنون المستديرة إلى التفنن خلال فترات الشوط الأول في لعبة النار. كنت أعرف خطورة ما أقوم به، فالألعاب النارية ممنوعة، وكل من تضبط معه شعلات يتم اعتقاله، لذلك فمن الطبيعي أن يعتقدوا أنني شرطة سرية أو ما شابه، ولكنني غامرت، وقررت أن ألعب أنا أيضا بالنار، ولكن بشكل مخالف.
"نحن نشتري الفلامات من الميناء"، هكذا صرح لنا أحد المشجعين، وأضاف صديقه الذي كان بجانبه:"الفلامات مصنوعة خصيصا للبحارة، وهناك أشخاص يمتلكون بطاقة السماح بالعبور إلى الميناء، وبعضهم يقومون بشرائها ويبيعونها للمشجعين في السوق السوداء". وقال مشجع آخر كان يصبغ وجهه بالألوان:"(الفيموجين) هو الذي يعطي نكهة للمباراة، لذلك فهناك من يعمل طول الأسبوع، وينفق ماله في شرائها، يبقى أحيانا بدون أكل، من أجل ابتياع (الفلام)". وأثناء هذا الحوار كان أحد المشجعين يصيح:" إذا كانوا هم في الجزائر يفتخرون بالملعب الذي يلقبونه بملعب النار، فنحن اليوم أردنا أن نثبت لهم أننا نمتلك ملعب جهنم".
إن هؤلاء المشجعين يشترون شعلات نارية يصل ثمن الواحدة منها إلى 150 درهما، سواء من الموانئ أو من مدينة سبتة بالنسبة للمناطق الشمالية، ويتحدون ظروفهم المادية العسيرة في غالب الأحيان، في سبيل تشجيع النادي، كما يتحدون أيضا رجال الأمن الذين يفرضون رقابة شديدة خارج أسوار الملعب بغاية منع تسريب أية شعلات نارية إلى داخل المدرجات. فكيف يتم إدخال الشعلات النارية رغم كل هذه الحراسة؟.
يقول أحد المشجعين:" نقوم بتسريب الفيموجين عن طريق البنات، اللواتي يدخلنها داخل ملابسهن، كما يمكن تسريبها داخل الساندويتشات، أو داخل الطبول". وقال مشجع آخر:" أحيانا ندخل الملعب قبل يوم المباراة، ونقوم بإخفاء الفلامات في أماكن داخل الملعب، وفي يوم المباراة نستعملها". وقال مرافقه:" حتى الذين يقفزون الأسوار دون أداء ثمن التذكرة، يدخلونها معهم، وهناك طرق كثيرة..".

حجز ما بين 30 و100 شعلة في كل مباراة

وخرجت خارج الملعب، حيث قابلت أحد رجال الأمن الذي حاولت استفساره حول أخطار استعمال الشعلات الاصناعية، وقبل بالحديث معي شريطة عدم الإفصاح عن اسمه، قال:" نحن نمنع تسريب الشعلات الاصطناعية إلى داخل الملعب، ونفتش المشجعين واحدا واحدا، ونحجز في كل مقابلة هامة ما بين ثلاثين ومائة شعلة، ولكن مع ذلك يتمكن بعض المشجعين من تسريب بعض الشعلات لإيقادها داخل الملعب، وهناك يتكلف رجال الوقاية المدنية بإخمادها." وأضاف رجل الأمن:" المشجعون الذين يسللونها يسيئون استخدامها، لأن الكثير منهم قاصرون، وبعضهم قد يكونون تحت تأثير مخدر مما يجعلهم لا يتحكمون في تصرفاتهم، لذلك لا يجب استخدام هذه الألعاب النارية الخطيرة داخل ملعب مكتظ بالناس، فذلك يعرض المتفرجين للإصابة بحروق على مستوى الشعر والوجه والملابس، كما يمكن أن تحرق العشب والحلبة المطاطية وأي شيء في الملعب، هذا بالإضافة إلى دخانها الكثيف والوقت الذي يضيع بسبب توقف اللقاء في كل مرة."
وعدت من جديد إلى المدرجات من أجل متابعة الشوط الثاني، كانت الألعاب النارية مستمرة، وفي لحظة من اللحظات شاهدت عددا هائلا من المتفرجين يتجمعون حول فتاة، كانت المسكينة قد احترقت عيناها بسبب شعلة، وفقدت حاسة البصر بعدما دخلت إلى الملعب سليمة العينين.
لقد تبين لنا في النهاية أن الشعلات الاصطناعية تحمل خطورة كبيرة على سلامة كل المتواجدين داخل الملعب، بعدما شاهدنا دخانها الكثيف الذي يتسبب لبعض المشجعين في حالات اختناق خصوصا المصابين بأمراض التنفس، كما أن بعض الطائشين يقومون بالتلويح بها بشكل عشوائي أو قذفها بدون اتجاه أو تهديد الآخرين بواسطتها مما قد يتسبب لبعض سيئي الحظ في حروق بليغة. فهل من الضروري تهديد سلامة الآخرين من أجل تشجيع الفريق؟.

لعبة النار!
أصبح استخدام الشعلات الاصطناعية أو ما يطلق عليه (الفلامات) أو(الفيميجان) ظاهرة تتكرر في كل مباراة كبيرة، فرغم تغريم الوداد مبلغ خمسة آلاف دولار أمريكي من لدن الاتحاد العربي، بسبب الألعاب النارية التي قام بها الجمهور الودادي في لقاء الإياب أمام الفيصلي بالدار البيضاء، ورغم النداء الذي وجهه مسيرو الوداد إلى الجمهور بعدم إضرام الشعلات الاصطناعية داخل الملعب أمام وفاق سطيف، فقد شاهد الجميع كيف اشتعل مركب محمد الخامس بالألعاب النيرانية أمام الفريق الجزائري؛ ونفس الشيء حصل في لقاء ربع نهاية كأس العرش الذي فاز فيه المغرب التطواني على الرجاء بهدف لصفر، حيث أصبحت هذه الظاهرة تتكرر في العديد من المباريات الهامة، رغم أن القانون المغربي يمنع استعمال هذه الشعلات داخل مدرجات الملاعب نظرا لخطورتها على سلامة الجمهور واللاعبين وكل المتواجدين داخل الملعب.

ماذا أضافت (الإلترات) إلى الدوري المغربي؟

بعد تنامي ظاهرة المجموعات التشجيعية(الإلترات)
خلال المواسم الأخيرة


أنس العقلي/جريدة المستقل

طوباويتهم المفرطة في التشجيع من أجل التشجيع، والوقوف إلى جانب الفريق في السراء والضراء، والاعتماد على مالهم الخاص في تمويل تنقلاتهم ووسائل تشجيعهم، جعلت بعض الملاحظين يذهبون إلى أن هناك أياد خفية تدعم الإلترات من الوراء.. من هي الإلترا؟ ومن يقف وراءها؟ أسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عليها من خلال الورقة التالية:

"الإلترا" هي مجموعة تشجيعية تحرص على تشجيع الفريق والتنقل معه أينما حل وارتحل، عن طريق شعارات وأغان وألوان خاصة بها. وتقوم فلسفة الإلترا على التشجيع المجنون للفريق والذي يقترب من درجة التعصب، ولكنها تعمل بالمقابل على إعطاء مثال في الروح الرياضية، حيث تشجع بدون كلمات نابية وبدون شب وشتم، وبدون استفزاز الخصم.
وجاءت الإلترا بعدة أشياء إيجابية، فهي تشجع الفريق غالبا أو مغلوبا، وتحج إلى الملعب في السراء والضراء، ولا تكف عن التشجيع طيلة اللقاء بطريقة أفلاطونية، وتتنافس في تحقيق أكبر عدد من الجماهير التي تسافر مع الفريق لتشجيعه داخل القواعد أو خارجها. هؤلاء إذن هم الإلترات أو مجانين كرة القدم المهووسون بعشق الكرة، الذين يبذلون مجهودات كبيرة من أجل إضفاء الكثير من الجمالية على ملاعبنا الوطنية.

عودة الدفء إلى المدرجات

قبل ظهور الإلترا في المغرب، كانت الملاعب المغربية تعاني من عزوف الجماهير التي تهجر المدرجات مع النتائج السلبية، حتى أصبحت الكثير من المباريات تلعب أمام مدرجات شبه فارغة، ولم تسلم حتى بعض المباريات الهامة من مشكل غياب الجمهور، خصوصا مع توجه الكثيرين من عشاق الكرة إلى تتبع الدوريات الأجنبية كالدوري الإنجليزي والأسباني. ولكن مع ظهور الإلترا عاد الكثير من الدفء إلى المدرجات، وبدأنا نلاحظ الحماس الجماهيري حتى في المباريات التي لم تكن تصنف في خانة المباريات الهامة.
وأصبحت اليوم لجميع الأندية المغربية إلترات تشجعها، ولكل إلترا اسم وشعار خاص بها، فإلترا الوداد مشهورة باسم "الوينيرز"، بينما إلترا الرجاء معروفة باسم "الكرين بويز"، ومن النماذج التي رسمت صورة حسنة هذا الموسم نجد "إلترا إيمازيغن" التي تساند فريق حسنية أكادير و"كريزي بويز"التي تساند الكوكب، إضافة إلى "إلترا عسكري" للجيش الملكي و"إلترا عيساوي" من مشجعي النادي المكناسي، دون أن ننسى إلترات المغرب التطواني والمغرب الفاسي والدفاع الجديدي والمولودية الوجدية وغيرها. والإلترا ليست مقتصرة على الذكور فقط، بل نجد في أغلب الإلترات المغربية فتيات مهووسات بحمى التشجيع، ترافقن الفريق في حلوله وترحاله. وحتى فرق القسم الثاني والهواة لديهم إلترات خاصة بهم. وقد أصبح للعديد من الإلترات مواقع إلكترونية على الشبكة العنكبوتية تعرض فيها صورها وأغانيها.
وهكذا نلاحظ أن الإلترا غير مقتصرة فقط على الأندية الكبيرة، ففي هذا الموسم تألقت بشكل كبير إلترا "حلالة بويز" من مشجعي النادي القنيطري التي يمكن اعتبارها ظاهرة الموسم بامتياز، فقد نجحت هذه المجموعة في شد الأنظار إليها بتنقلاتها بأعداد كبيرة من أجل تشجيع الفريق في جميع المدن المغربية. وهي تلفت النظر أيضا باسمها الذي قد لا يفهمه من لا يعرف جيدا مدينة القنيطرة، وعن هذا الاسم يقول أحد عناصر إلترا حلالة بويز: " لقد جاء سبب التسمية بحلالة بويز على نبتة تدعى "حلالة" تنمو بوفرة في منطقة القنيطرة، وقد أردنا أن ندخل هذه النبتة التاريخ خصوصا وأنها تكسو الأرض بحلة خضراء، أي بلون فريق النادي القنيطري".

الإلترا والسياسة

كما تتألق أيضا "إلترا شارك" من محبي أولمبيك آسفي التي خطفت الأنظار إليها منذ صعود الفريق المسفيوي إلى قسم الصفوة. وتعرف إلترا شارك بتشجيع لفريقها بشكل هستيري، ويرجع لها الفضل في تفوق أولمبيك آسفي على أندية قوية هذا الموسم مثل الجيش الملكي وأولمبيك خريبكة والوداد.
وعلى ذكر الوداد فقد ساهمت إلترا "الوينيرز" بدورها بشكل فعال في بلوغ الفريق الأحمر المباراة النهائية لدوري أبطال العرب، حيث تحملت مشقة السفر إلى الأردن وسوريا ومصر والجزائر من أجل مساندة النادي حتى آخر لحظة.
يقول عبد اللطيف وهو أحد عناصر الوينرز:"الإلترا تضيف نكهة خاصة للمباريات من خلال رسمها للوحات رائعة، بالإضافة إلى الشعارات والأغاني و"التيفو" و"الفلامات" والشهب، ولكنها لا تصل إلى مستوى الإلترات الأوروبية، بالنظر إلى أن هذه الأخيرة تتوفر على الإمكانيات المادية وتستفيد من جودة المدرجات والكراسي المرقمة التي تتيح لها رسم أجمل اللوحات."
ولا تقتصر الإلترا على كرة القدم فقط، بل تتعداها إلى الرياضات الأخرى، وبالخصوص كرة السلة، ويستعملون وسائل تشجيع تتطلب إمكانيات مالية هامة، فالتيفو مثلا يصل ثمنه إلى عشرات الآلاف من الدراهم، يوفرها هؤلاء المشجعون من مالهم الخاص المحدود، حيث يقومون ببيع بعض منتوجاتهم داخل الملاعب كالمأكولات الخفيفة والمشروبات وأدوات التشجيع والشعارات، بالإضافة إلى مساهمات بعض المحبين، ليتمكنوا من تغطية نفقات تحركاتهم، ومصاريف أدوات التشجيع.
والملاحظ أن فن الإلترا بين الفينة والأخرى يتعدى المجال الرياضي إلى الهتافات السياسية الموجهة إلى الحكومة والبوليس، حيث يرى الملاحظون أن الشباب المهمش يجد فرصته في التعبير عن غضبه من معاناته مع الفقر والبطالة والتهميش الذي يعيشه داخل المجتمع المغربي، ولعل هذا هو سبب المد والجزر الذي يطبع علاقة الإلترا بالجامعة وكذلك بالأجهزة الأمنية.

تاريخ الإلترا
ظهرت بالمغرب المجموعات التشجيعية أو ما يعرف بالإلترا قبل سنتين أو ثلاث على الأكثر، وهي ظاهرة مقتبسة من الدوريات الأوروبية، وهي تلعب دورا وسيطا بين جمعيات المحبين وبين الجماهير. وقد كان للإلترا دور كبير في الشهرة التي وصل إليها الدوري الإيطالي (الكالشيو). وكانت أول مجموعة قد ظهرت بالبرازيل سنة 1940 تحت اسم "توركيدا"، وبعد ذلك انتقلت إلى أوروبا وبالضبط إلى يوغوسلافيا. ثم انتقلت الظاهرة إلى إيطاليا سنة 1960 حيث تأسست أولى المجموعات لمشجعي نادي سامبدوريا، وتم تصدير الظاهرة إلى فرنسا سنة 19 على يد جمهور أولمبيك مارسيليا، الذي قلده جمهور باريس سان جرمان ثم بعد ذلك جمهور نيس. لتنتشر الظاهرة بعد ذلك في جميع أرجاء العالم بما في ذلك المغرب.

أكاديمية محمد السادس لكرة القدم

المولود الجديد في عالم التكوين الرياضي:
مركز من خمس نجوم لتأهيل الشباب بشكل احترافي

أنس العقلي/جريدة المستقل

ينتظر الشباب الرياضي المغربي حلول شهر شتنبر 2009 موعد انطلاق العمل في أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التي ستكون مركزا من طراز عال مختصا بتكوين الشباب في مجال كرة القدم، يتولى مهمة البحث عن أفضل الشباب الموهوبين المتحدرين من جميع مناطق المملكة، وتكوينهم بطريقة مهنية من أجل صنع رياضيين من مستوى عالمي..

انطلقت في منتصف شهر ماي الماضي أشغال بناء أكاديمية محمد السادس لكرة القدم بضواحي سلا الجديدة، وسينجز هذا المشروع من طرف مجموعة أونا واتصالات المغرب ومجموعة الضحى والبنك المغربي للتجارة الخارجية وصندوق الايداع والتدبير، على مساحة تقدر بحوالي 18 هكتارا.
ويبلغ الغلاف المالي الذي رصد لتمويل إنجاز هذا المشروع 140 مليون درهم، ممول كليا من طرف المستثمرين الخواص. وسيدعم الملك محمد السادس هذا المشروع الكبير من خلال تمكينه من دعم مالي سنوي من ماله الخاص.
ومن المرتقب أن تنتهي أشغال بناء الأكاديمية في شهر يوليوز 2009، على أن تنطلق الأكاديمية في استقبال التلاميذ، مع بداية شهر شتنبر من السنة ذاتها.
وجاءت هذه المبادرة ثمرة للوعي الملكي بضرورة توظيف المؤسسات الاقتصادية الكبرى كرة القدم لإقصاء الهامشية، والعمل على تأهيل الشباب الرياضي المغربي بشكل احترافي؛ ولعل اهتمام ملك البلاد بهذه النقطة وتقديره لأهميتها البالغة في الظرف الراهن، هو ما جعله يطلق اسمه على الأكاديمية.
وستكون الأكاديمية تحت الرئاسة الفعلية لمنير الماجيدي الكاتب الخاص للملك محمد السادس، بينما سيشغل امحمد الزغاري العضو السابق في الجمعية المكلفة بإعداد ملف ترشيح المغرب لكأس العالم 2010 منصب المدير الإداري والمالي والتسويقي، بينما سيكون ناصر لارغيت على رأس الإدارة التقنية، هذا الأخير الذي قضى 25 سنة بين العديد من مراكز التكوين بالديار الفرنسية.
وسيتضمن المشروع ملاعب رياضية ومرافق إيواء وترفيه خاصة بالمتدربين، بالإضافة إلى أقسام دراسية ليتابع الأطفال المتدربون تعليمهم وفق برامج دراسية تنسجم مع متطلبات التكوين الرياضي، كما سيضم المشروع أيضا مركزاً لتكوين المؤطرين الرياضيين والمدربين. وإلى جانب الأكاديمية، سيتم بناء مدرسة ترفيهية متخصصة في كرة القدم، موجهة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات و12 عاما، وستعنى هذه المدرسة بالبراعم التي تتوفر على مؤهلات رياضية متميزة لم يسمح لها سنها بعد بولوج الأكاديمية.

الأوراش الكبرى التي تهدف إليها الأكاديمية

وتتوخى الأكاديمية لنفسها موقعا إستراتيجيا داخل الساحة الكروية المغربية، حيث تتطلع إلى صناعة نموذج عصري وحديث في مجال التكوين الرياضي، الذي بات خيارا ضروريا من أجل صناعة الأبطال والنخب الرياضية.
كما تحمل الأكاديمية على عاتقها رهانات أخرى كثيرة، على رأسها تجاوب القطاع الخاص مع النداءات المتكررة لمساهمته في إنعاش الرياضة الوطنية، وخصوصا قطبها الإستراتيجي كرة القدم، كما تريد الأكاديمية أن تقدم نموذجا من الطراز العالي في ظل البحث عن أفضل الصيغ لبناء قاعدة عريضة من الشباب المؤهل كرويا، خصوصا مع العلم أن رياضة كرة القدم تحولت في الوقت الراهن إلى صناعة تعرف درجة تنافسية جد عالية؛ وقد يكون من عناصر نجاحها بالمغرب أن نتوفر على قاعدة عريضة من الشباب الحاصل على تكوين احترافي في اللعبة.
ستأتي أكاديمية محمد السادس لكرة القدم مكملة للمشروع الكبير لتأهيل كرة القدم الوطنية، الذي بمقتضاه سيتم خلق مراكز تكوين تابعة للأندية الرياضية، ليكون الرابح الأكبر في النهاية هو الشباب المغربي الذي ستتاح له الفرصة لتطوير قدراته وإمكاناته الكروية.
ويتماشى إحداث أكاديمية محمد السادس لكرة القدم مع التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى النهوض بالرياضة الوطنية بشكل عام، وتكوين الشباب الممارس لكرة القدم الاحترافية بصفة خاصة.

تكوين أكاديمي شامل للطلبة

وتهدف أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التي تعد جمعية لا تهدف إلى الربح، إلى المساهمة في انتقاء وتكوين ممارسين لرياضة كرة القدم من مستوى عال، من خلال وضع نظام تربوي يجمع بين الرياضة والدراسة للمتعلمين، حيث ستتوفر على بنية تحتية تربوية ورياضية مؤهلة لاستقبال الأطفال ابتداء من 12 سنة، بغرض تكوينهم اعتمادا على برنامج يجمع بين الرياضة والدراسة.
وسيجري اختيار المستفيدين من التكوين في الأكاديمية بناء على مؤهلاتهم التقنية والجسمانية، وسيتلقون تكوينا رياضيا مكثفا قوامه التداريب اليومية، وموازاة مع ذلك سيستفيد تلاميذ الأكاديمية من متابعة دراستهم في مختلف الشعب، من أجل الحفاظ على فرصهم في الاندماج في سوق الشغل في ما بعد، على غرار مراكز التكوين المهنية الأوروبية ذات الصيت العالمي.
ويتميز النظام الدراسي بالأكاديمية بكونه سيضمن مشوارا كرويا للتلاميذ المتراوحة أعمارهم ما بين 12 و18 سنة، مع إمكانية متابعتهم لمسارهم الدراسي بشكل عادي في مؤسسات أخرى إذا اقتضى الأمر. وسيتخرج من الأكاديمية عشرون طالبا كل سنة.

روبورتاج عن منطقة سيدي معروف

سيدي معروف/ أولاد حدو
العمران يتوسع والأزمات تتضاعف

أنس العقلي/أسبوعية المستقل

تعرف مدينة الدار البيضاء توسعا عمرانيا سريعا في الجهة الجنوبية الشرقية حيث يمتد حي سيدي معروف أولاد حدو الذي تحول خلال سنوات قليلة إلى ما يشبه مدينة كبيرة. حيث عرفت منطقة سيدي معروف ما يشبه هجرة كبيرة للسكان من أحياء الدار البيضاء الذين فضلوا ترك الأحياء العتيقة والاستقرار بسيدي معروف. وهذا ما نشأ عنه زحف عمراني هام وارتفاع كبير في عدد سكان المنطقة، لم يواكبه أي تطور يذكر على مستوى المرافق والخدمات الأساسية، من طرق ومواصلات وغيرها.. من ماذا يعاني السكان في سيدي معروف؟ ما هي حاجاتهم وكيف هي تطلعاتهم؟ هذا ما حاولنا سبر أغواره من خلال هذا الروبورتاج..

يعرف حي سيدي معروف التابع لعمالة مقاطعة عين الشق إحداث مشاريع سكنية ضخمة تندرج في إطار البرنامج الوطني لبناء 200000 سكن؛ حيث تحتضن هذه المنطقة أزيد من 14000 شقة سكنية جديدة. وقد كثرت الدعايات خلال السنوات الأخيرة للأوعية العقارية بسيدي معروف، حيث أنشأت شركة الضحى إقامات سكنية مختلفة المعايير، منها الشقق الاقتصادية والشقق المتوسطة والفاخرة، هذا بالإضافة إلى المستثمرين الأحرار في قطاع البناء الذين وفروا بدورهم إقامات وشققا سكنية تناسب مختلف الشرائح الاجتماعية.

الضحى لم تلتزم بما صورته في اللوحات الإشهارية

والملفت أن إقامات الضحى لا تتوفر على الحد الأدنى من المساحات الخضراء والساحات ومرافق الترفيه، بالإضافة إلى غياب سوق نموذجي بالإقامات الجديدة للضحى حيث أصبح الباعة المتجولون يشكلون سوقا عشوائية تسيء إلى المظهر المورفولوجي للمدينة وتعوق حركة السير وتزعج السكان. فالضحى باعتبارها مؤسسة متخصصة في البناء كان يجب أن تراعي شروط السكن اللائق والمرافق والمساحات الخضراء، ولكنها لم تلتزم بدفتر التحملات في ظل غياب مراقبة حقيقية من طرف مجلس المدينة. وقد أجمع لنا سكان المنطقة على أن مجموعة الضحى لم تلتزم بما وضعته في الوصلات الإعلامية واللوحات الإشهارية العملاقة التي كانت حسب تعبيرهم مجرد طعم للزبائن الذين ما إن اشتروا شققهم حتى اكتشفوا أن الإقامات لا تتوفر أبسط المرافق الأساسية من مدارس وأسواق.
وداخل الأحياء العتيقة لسيدي معروف توجد سوق نموذجية، ولكنها مهجورة باستمرار بسبب تمرد الباعة المتجولين الذين يكونون سوقا عشوائية في إحدى فضاءات الحي التي تعرف رواجا كبيرا باعتبارها ممرا رئيسيا للسكان، ورغم الحملات التي تقوم بها السلطات المحلية بجماعة سيدي معروف لإرجاع الباعة إلى أماكنهم داخل السوق النموذجي، إلا أنهم سرعان ما يعودون تدريجيا إلى السوق العشوائي. يقول أحد الباعة لـ"لمستقل": "السوق النموذجي بعيد من مركز الكثافة السكانية، لذلك فنحن عندما نرضخ لرغبة السلطات ونستقر داخله يأتي باعة آخرون ويحتلون هذا الفضاء وبالتالي يغيب تكافؤ الفرص، فنضطر إلى ترك أماكننا بالسوق النموذجي والعودة إلى هنا حتى لا نخسر."
ورغم شكاوي السكان القريبين من السوق العشوائي وتحركات السلطة بين الفينة والأخرى فالأمور لا تزال على حالها.

اختناق حركة السير بسيدي معروف

تعرف حركة السير بسيدي معروف اختناقا حادا بسبب التزايد السريع لعدد السيارات الذي شكل ضغطا قويا على الشريان الوحيد بالمنطقة، بالإضافة إلى وجود معبر سكة القطار الذي لا بد من المرور به لكل من يريد مغادرة سيدي معروف باتجاه حي "ليساسفة" أو العكس. وغالبا ما يشل معبر سكة القطار حركة السير لمدة طويلة مما يجعل صفوف السيارات تمتد إلى مئات الأمتار من الاتجاهين وتحدث فوضى سير حقيقية، بسبب غياب حلول بديلة. وحسب الآراء التي استقيناها من بعض المواطنين فإن فترة الانتظار تطول ويطول معها صف السيارات بسبب مجموعة من الأسباب التي أصبحت مشاهد عادية تتكرر كل يوم، من هذه الأسباب أنه أحيانا يمر أكثر من قطار، وفي أحيان أخرى تكون الإشارة كاذبة، والمتضرر في الأخير هو المواطن الذي يظل حبيس المعبر تحت رحمة القطار الذي قد يمر وقد لا يمر.
يحدث هذا في غياب حلول حقيقية لهذا المشكل الذي يزداد عدة يوما عن يوم مع تزايد السكان والسيارات.
وتوجد بسيدي معروف بؤرتان أساسيتان للاكتظاظ، الأولى مركز التقاء الشارع الرئيسي بالشارع المؤدي إلى معبر سكة القطار قرب إقامة الأهالي، وهي البؤرة التي تعرف اكتظاظا دائما زاد من حدته تواجد محطة لسيارات الأجرة البيضاء التي تقف في غالب الأحيان بشكل عشوائي، بالإضافة إلى مرور عدد كبير من الحافلات من تلك النقطة الحيوية التي تحتاج إلى إشارات ضوئية لتنظيم عملية السير فيها. وفي بعض الأحيان تتم الاستعانة بشرطي مرور لفك الأزمة، ولكنه يظل حلا ترقيعيا من السلطات التي يجب أن تفكر جديا في مسألة الإشارات الضوئية.
والبؤرة الثانية هي ملتقى الطرق المحاذي للسوق الممتاز مرجان، والذي يعرف اختناقا دائما بسبب التوسع العمراني السريع التي تعيش على إيقاعه المنطقة التي لم تواكبه حلول موازية على مستوى الطرق، خصوصا وأن الشارع يبقى الشريان الوحيد المؤدي إلى سيدي معروف.

الاكتظاظ بالأقسام التعليمية جاوز 60 تلميذا بالقسم الواحد

يتوفر سيدي معروف على ثلاثة مدارس ابتدائية هي ابن كثير والمتنبي والنهضة، وثلاث ثانويات إعدادية هي أبو بكر الصديق والأطلس وعبد المالك السعدي، وثانوية تأهيلية واحدة هي عثمان بن عفان. ورغم التضاعف الكبير على مستوى الساكنة فإن الدولة لم تستطع أن تضيف سوى ثانوية إعدادية واحدة هي ثانوية عبد المالك السعدي، وذلك لتخفيف الضغط ولو نسبيا على إعدادية أبي بكر الصديق. إلا أن هذا الإجراء لم يغير كثيرا من حالة الاكتظاظ الخانقة التي تعرفها المؤسسات التعليمية بالمنطقة.
تقول إحدى السيدات: "اضطررت إلى تسجيل ابنتي بإعدادية لحسن أو يدر بحي الإنارة حتى أجنبها الاكتظاظ والظروف السيئة بإعدادية ابي بكر الصديق، وأنا حاليا أتحمل مصاريف النقل أربع مرات يوميا حتى تدرس ابنتي في ظروف أفضل."
وفعلا فإعدادية "أبو بكر الصديق" تعرف اكتظاظا كبيرا، حيث يصل عدد التلاميذ بالقسم الواحد إلى ما يقارب 60 تلميذا.
وتعرف منطقة سيدي معروف ظاهرة النقل القروي للتلاميذ عن طريق عربة يجرها حصان مغلفة بغلاف أصفر مكتوب عليه يالأخضر "النقل القروي"، فمدارس سيدي معروف بالإضافة إلى ضغط الساكنة تستقبل أيضا أبناء الدواوير المجاورة وهو ما يزيد من معاناتها مع الاكتظاظ.
وتظل الثانوية التأهيلية الوحيدة بالمنطقة هي ثانوية عثمان بن عفان، والمحاطة بصالتين للألعاب أصبحتا مزودا للتلاميذ بأنواع المخدرات والقرقوبي والمعجون. فعوض أن تمنع السلطات الترخيص لمثل هذه المحلات الخطيرة على الطلبة في مرحلة تعتبر من أشد مراحل العمر حساسية، يتم فتح المجال لهذه الصالات التي لا تنتج سوى المزيد من شباب البولفار.

الأمن بالمنطقة

تتوفر مقاطعة سيدي على مركز أمني واحد، والمنطقة لا تخلو من حوادث السرقة والنشل والاعتداءات، شأنها شأن باقي أحياء الدار البيضاء، ولكن حسب سكان المنطقة فالأمن يعرف استقرارا في الوقت الراهن، رغم الحوادث التي عرفتها المنطقة والتي تتعلق باعتداء بعض قطاع الطرق على بعض المواطنين والتي روعت الساكنة.
وحسب ساكنة سيدي معروف فإن الظاهرة التي تميز الحي وتشكل خطرا على الساكنة هي كثرة كلاب البيت بول الخطيرة التي يتجول بها شبان طائشون، وهي كلاب مزاجية وخطيرة على سلامة المواطن، وممنوعة في البلدان المتقدمة.
كما يعرف سيدي معروف ظاهرة كثرة المتسولين السود القادمين من الدول الإفريقية والذين يأتون إلى المغرب من أجل العبور إلى الضفة الأخرى حيث يكترون غرفا بشكل جماعي في سيدي معروف ويقضون النهار في التسول متجولين بين الأزقة.
ويتوفر حي سيدي معروف على مستشفى وحيد، وهو يفتقر إلى العديد من الأدوية والتجهيزات الأساسية. ويبقى سكان سيدي معروف في حاجة ماسة إلى مستوصف أكثر تجهيزا وتطورا، خصوصا مع معاناتهم اليومية من مصنع الخشب العملاق الذي يحتل المرتبة الثانية إفريقيا من حيث الإنتاج. وحسب بعض التصريحات التي استقيناها من ساكنة المنطقة، فإن المصنع تتصاعد منه مواد كيماوية ضارة بالصحة وتسبب أمراض الحساسية والربو للسكان، يقول أحد السكان:"لقد أخبرني طبيب الجهاز التنفسي بأن هذه الرائحة مضرة بالرئتين وتسبب ضيق التنفس، لذلك فنحن ننتظر نقل المصنع إلى خارج المدينة لأن المنطقة أصبحت سكنية ووجود مثل هذا المصنع هنا يضر بصحة المواطنين."

الرياضة والترفيه

يتوفر سيدي معروف على ملعب رياضي هو الذي تجرى فيه مباريات الفريق الممثل لسيدي معروف والذي يمارس بدرجة الهواة، وهو ملعب مجهز بالإنارة ومستودعات الملابس، ويضم 4 ملاعب غير معشوشبة وبدون مدرجات، يعاني أحدها من حالة غريبة حيث نمت فوقه النباتات الشوكية، وأصبح غير صالح لممارسة كرة القدم، في ظل غياب أي تدخل من لدن السلطات المحلية، بينما يتم إجراء تداريب في كرة القدم لمختلف الفئات العمرية بالملاعب الأخرى.
وتوجد بمحاذاة دار للشباب والذين تعمل على تأطير الشباب وتنظيم أنشطة مختلفة لهم. ويعتبر الملعب إلى جوار دار الشباب متنفسا لشباب المنطقة. كما تنشط بسيدي معروف جمعية الشباب الرياضي التي تهتم بتأطير شباب المنطقة وتنظيم دوريات مصغرة في كرة القدم.

خلاصة

غادرت المنطقة في آخر المطاف، وأنا أدرك أن ما تطرقت إليه ليس إلا جزءا صغيرا من واقع متدهور تعرفه عدة مناطق مغربية، وأن ما خفي أعظم مما طفا على السطح، ليبقى الأمل في أن تعيد السلطات المحلية والجهوية والمركزية النظر في المشاكل العديدة التي تعيشها هذه الأحياء السكنية التي تنشأ عن التوسع العمراني للمدن الكبرى؛ خصوصا وأن الضرورة أصبحت تحتم العمل على تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أجل إنصاف هذه المناطق ورد الاعتبار إلى ساكنتها.

ساحة مسجد الحسن الثاني تتحول إلى فضاء للعشاق

أنس العقلي/أسبوعية المستقل


غير بعيد من كورنيش عين الذياب المشهور بعلب الليل والمواخر التي تدب فيها أنشطة من نوع خاص حيث الأجساد تتمايل ولغة الجنس والدعارة الراقية هي السائدة التي لاصوت يعلو على صوتها حتى مطلع الفجر، يقع مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، الذي يعرف بدوره حركة غير عادية خلال فترة المساء و الليل، حيث تعج جنباته بأفواج من الشباب و الفتيات الذين يجدون في زوايا و أركان ساحة المسجد مكانا صالحا لممارسة الجنس مع بعضهم بعيدا عن أعين الرقباء في ظل غياب أية رقابة أمنية لحماية هذه المعلمة الدينية من كل ما قد يسيء إلى سمعتها العالمية.. وللاقتراب أكثر من تفاصيل هذه الظاهرة قمنا بإعداد الاستطلاع التالي..

أنوار المساء

عندما يحل المساء و تنعكس أنواره الذهبية على مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، يتحول المسجد و الفضاء المحيط به إلى مشهد شاعري بديع يطفح بالجمال و الرومانسية.. خصوصا و أن المسجد يطل على البحر و هذا ما يمكن المتواجدين بعين المكان من مشاهدة منظر الغروب في روعته و جلاله.. و بالتالي الاندماج في تلك الأجواء الشاعرية النادرة التي قلما يجدها المرء في مكان آخر.. و مع كل مساء تتحول أرجاء ساحة المسجد إلى منتدى لفئة خاصة من الناس و يتعلق الأمر بأعداد كبيرة من الشبان و الفتيات الذين يجدون في أركان و زوايا الأبنية التي تزين الساحة مكانا صالحا للاختلاء ببعضهم و ممارسة الحب كل مساء بعيدا عن أعين الرقباء.. خصوصا و أن تلك الأبنية لها أشكال معمارية مغربية بديعة يمكن التخفي بداخلها.. وهذا ما بات يشكل مفارقة ملحوظة على اعتبار أن المسجد هو معلمة دينية شيدت أساسا للعبادة.. و بالاقتراب أكثر من هؤلاء الشباب نجد من بينهم الفتيات المحتجبات و المنقبات كما يمكن مشاهدة أطفال صغار في سن الثانية عشرة و الثالثة عشرة يأتون مع بعضهم لممارسة الجنس إن لم نقل ليتعلموا ممارسة الجنس.. و اقتربت فعلا من شاب ترافقه محتجبة و قد اختليا بركن قصي بساحة المسجد.. كان الشاب يدخل يده تحت ملابسها متحسسا نهديها..عندما رآني توقف.. و في حوار قصير معهما قالت المحتجبة (أنا لا أمارس الدعارة.. و لكنني أمارس حقي الطبيعي مع الشاب الذي أحب.. و هناك فرق.) و علق رفيقها قائلا (نحن نأتي إلى هنا لنستمتع بوقتنا في هذا الجو الرومانسي البديع بعيدا عن أعين المتطفلين.. هذا كل ما هناك..).

المراقبة الأمنية

أذن المؤذن لصلاة العشاء فاختلط صوته بتأوهات الفتيات و الشبان المحترقين بنار الجنس في جنبات
ساحة مسجد الحسن الثاني .. عندما يحل الظلام و تشتعل أضواء المسجد يتحول المكان إلى لوحة رائعة تختلط فيها الأنوار الصفراء مع ظلام البحرلا يكسر سكونها سوى هدير أمواج المحيط الأطلسي.. وفي الوقت الذي يفد المصلون على المسجد لأداة صلاة العشاء يتزايد عدد العشاق الذين يتقاطرون من الضواحي القريبة للاستمتاع بوقتهم.. لقد أصبح المكان شبيها بواحة العشاق التي نقرأ عنها في كتب الخيال.. اقتربت من مجموعة من الشباب هم خمسة شبان و فتاتان.. نظروا إلي بشك و ريبة و عندما اطمأنوا إلي أخبروني بأنهم جلبوا معهم الفتاتين من أجل ممارسة الدعارة مقابل مبالغ مالية متفق عليها سلفا.. و عندما سألت أحد الشبان عن سر اختياره لهذا المكان بالضبط أجاب ضاحكا ( المكان هنا شاعري و مطل على البحر و هو صالح لممارسة الجنس..إن المكان هنا شبيه بليالي ألف ليلة و ليلة..). لقد أصبح بالإمكان تقسيم الوافدين إلى قسمين.. فمنهم العشاق الذين لا يجدون سوى هذا المكان المقدس للاختلاء ببعضهم ، و هناك ممارسو الدعارة الذين يستغلون شساعة المكان و كثرة الزوايا المظلمة فيه للقيام بما يريدون.. و مما يثير الانتباه هو غياب أية مراقبة أمنية أو تدخل للسلطات للحد من هذه الممارسات التي تنتهك حرمة المسجد.. رغم أنه كانت هناك سيارة شرطة صغيرة تتجول بساحة المسجد إلا أنها سرعان
ما اختفت مع حلول خيوط الظلام الأولى.. و قد كان الجواب عند أحد الحاضرين الذي علق ساخرا ( و لماذا تطاردهم الشرطة ؟ الشرطة تعرف أنهم لا يمتلكون في جيوبهم شيئا و لو كانوا من (المرفحين) لفضلوا الذهاب إلى النوادي الخاصة بدل البهدلة هنا..).

أبناء الضواحي

بالفعل ..فجل الزوار الليليين إن لم نقل جميعهم يأتون من مناطق قريبة من المسجد و خصوصا منطقة العنق.. حتى أن علامات الفقر تبدو على ألبستهم و نظراتهم.. ولكونهم أبناء (المزاليط) فقد اضطروا إلى التخفي بجنبات ساحة مسجد الحسن الثاني.. الذي لا يبعد كثيرا عن منطقة عين الذياب الشهيرة على الصعيد الوطني بالحانات و النوادي الليلية التي تقيم كل ليلة حفلات ماجنة لا يستطيع الفقراء حتى الحديث عنها.. فيختارون الهواء الطلق و السهرة المجانية بساحة مسجد الحسن الثاني حيث يقبعون غير بعيدين عن منطقة عين الذياب التي يسهر فيها أناس من نوع آخر و من مستوى مغاير تماما.. و هكذا أضحت ساحة مسجد الحسن الثاني متنفسهم الوحيد للاختلاء ببعضهم بعيدا عن أعين المراقبين.. و في غياب تدخل المصالح الأمنية فقد أصبحت ساحة المسجد مشهورة بهذه الممارسات المتنافية مع الغرض الأساسي من إنشاء المعلمة.


نبذة عن مسجد الحسن الثاني

تم تشييد مسجد الحسن الثاني بمدينة الدار البيضاء بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني حيث تم وضع الحجر الأساس يوم عيد الشباب من عام 1987 و استمرت الأشغال في بنائه لمدة ست سنوات حتى انتهت عام 1993. و يعتبر المسجد ثاني أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين ، حيث اشتغل في بنائه2.500 بناء و هو يقوم على 2.500 عمود، و عمل على التفنن في إبداع زخارفه 10.000 آلاف حرفي استعملوا فيها 65 ألف طن من الرخام ، و يشغل المسجد مساحة 4840 مترا مربعا، و قد بني باتجاه القبلة و مطلا على البحر، كما تعتبر صومعته أعلى بناية دينية في العالم حيث يبلغ علوها 210 مترا و هي ذات طابع أندلسي على مستوى الشكل و الزخرف ، كما يتوفر على تقنيات حديثة تتمثل في السقف الذي ينفتح و ينغلق أوتوماتيكيا. و يتسع مسجد الحسن الثاني لـ25 ألف مصل بالداخل و ألفا بالباحة الخارجية ، ويصل مجمل مساحة الصلاة فيه إلى 20ألف متر مربع ، و إمامه حاليا هو (عمر قزابري).

الساعات الإضافية:التجارة المربحة

أصبحت موضة العصر في مختلف أسلاك التعليم
الساعات الإضافية:التجارة المربحة


أنس العقلي/ جريدة المستقل

"الساعات الإضافية جعلتني أكره القسم والدراسة والأستاذة.."هكذا عبرت تلميذة من السنة الثالثة إعدادي وهي تصف بحرقة معاناتها مع النواحي السلبية للدروس الخصوصية، هذه الدروس التي باتت تجارة رابحة للعديد من رجال التعليم، الذين وصل الأمر ببعضهم إلى استعمال سلطة النقطة كوسيلة لابتزاز آباء التلاميذ.. إذا أرادوا أن ينجح أبناؤهم..

تعتبر الدروس الخصوصية قضية تربوية اجتماعية انتشرت بشكل واسع عند أغلب الأسر المغربية، وأصبحت دلالة على اهتمام الأسرة بالمسار الدراسي للأبناء، بغض النظر عن النتائج الحقيقية التي يجنيها التلميذ في آخر المطاف. وقد أصبح الكثير من أولياء الأمور والأمهات بصورة أكبر يرون أن التلميذ الذي لا يستفيد من دروس الدعم الليلية لا يتحسن مستواه الدراسي، وتطورت الفكرة بعد ذلك فلم يعد الأمر يقتصر على التلاميذ ذوي الصعوبات الدراسية، بل تعداه إلى التلاميذ النجباء الذين أصبح أولياؤهم لسبب أو لآخر يعتقدون أنهم بحاجة إلى هذه الدروس.

بيع وشراء النقط

والذي ساعد على انتشار هذه الظاهرة وتعميقها، هو كونها مربحة لبعض الأساتذة، وتشكل مصدر رزق هام بالنسبة إليهم، يعينهم على توفير ظروف حياة أفضل، ويريحهم من متاعبهم المالية. ولتنجح هذه التجارة أكثر، فإن بعض الأساتذة بدؤوا يطورون أساليب مختلفة، منها أساليب التحفيز عن طريق إنجاز الامتحانات مع التلاميذ خلال هذه الحصص، أو أساليب الابتزاز التي تتجلى في تهديد الأستاذ لتلامذته بأن الذي لا يحضر الساعات الإضافية لن يحصل على نقطة جيدة ولو كان يستحقها؛ وهذا طبعا ضرب للقانون ولحقوق التلميذ.
وأصبحنا نتفاجأ من حين لآخر بوقفات احتجاجية للتلاميذ أمام المؤسسات التعليمية، سببها أن الأستاذ فلان يقدم الدروس بإتقان خلال الساعات الخصوصية لصالح فئة معينة من التلاميذ، وأن هذه الفئة لها فكرة مسبقة على نوع الأسئلة المطروحة في الامتحان.
وما يفضح اللعبة هو أن التلاميذ المستفيدين كلهم من قسمه، يعني أن الأمر يتعلق بشراء النقط وليس بكفاءة المدرس. خصوصا وأن هناك بعض الآباء الموسرين الذين يدفعون لأبناءهم واجبات حصص الدعم عند الأستاذ الرسمي لضمان النقطة، ويدفعون في نفس الوقت لأستاذ آخر كفء لضمان المعرفة. وهنا نطرح السؤال: ماذا نقول عن الشريحة الضعيفة التي لا تستطيع أن تدفع ولو درهما واحدا؟.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك آباء أساتذة يدرسون المادة في مستوى الثانية تأهيلي، ويمارسون الساعات الخصوصية، ورغم ذلك يؤدون حصص الدعم لأبنائهم عند أساتذتهم من نفس المادة. لماذا؟ فقط لشراء النقطة. ولكن إلى أي حد تشفع هزالة الراتب للأستاذ الذي يمارس نوعا من الاستغلال والابتزاز ضد أشخاص قاصرين؟ وهل طموح الأستاذ للرفع من دخله على حساب تلامذته، يعتبر من وجهة نظر قانونية عملا مشروعا؟.

الدروس الخصوصية.. حل أم مشكل؟

وأصبح التلاميذ يحملون عبء هذه الدروس وثقلها، مما يساهم في إرهاقهم فكريا وجسديا، وبالتالي التقليل من قدرتهم على التحصيل العلمي وتردي نتائجهم تبعا لذلك. وقد كنا نشعر بالغبن عندما كنا في المرحلة الإعدادية، ونحن نتوجه مساء السبت أو صباح الأحد لننحشر داخل قاعات صغيرة، من أجل "الاستفادة" من الدروس الخصوصية، بينما يستمتع أصدقاؤنا الآخرون بالراحة أو الاستجمام في تلك الأوقات التي تدخل في إطار العطلة الأسبوعية للتلميذ، والذي من حقه الاستمتاع بها من أجل الاستعداد لأسبوع جديد من العلم والتحصيل.
كانت أجسادنا تنحشر داخل طاولات خشبية جد ضيقة، لأنها مصممة أصلا للأطفال الصغار، والسبب هو أن الأساتذة ببساطة كانوا يكترون مدرسة ابتدائية خاصة من أجل تقليص المصاريف، ليحولوها في المساء إلى مدرسة للدروس الخصوصية.
وإذا كان الكثير من التلاميذ يتذمرون من الدروس الخصوصية التي يفرضها عليهم أولياء أمورهم، فإن الآباء يفكرون بشكل مخالف، ويحصرون المشكل في جانبه المادي. تقول إحدى الأمهات التي التقيتها أمام باب مدرسة "العمران" بالدار البيضاء، حيث كانت تنتظر ابنتها على الساعة التاسعة ليلا: "بالطبع فالدروس الخصوصية أصبحت بالنسبة لنا مشكلة مزمنة، فميزانية الأسر لم تعد تتحمل واجبات هذه الدروس خصوصا مع موجة الغلاء، ولكن ماذا نفعل؟ لانستطيع ترك أولادنا عرضة لفوضى المدارس الحكومية الناتجة عن الاكتظاظ الذي تعاني منه في بعض المناطق، ففي إعدادية أبو بكر الصديق التي تدرس بها ابنتي وصل عدد التلاميذ إلى ما يقارب الستين تلميذا في القسم الواحد، وهو ما يصعب على التلميذ الفهم والاستيعاب، والحل هو الدروس الخصوصية التي تعوض للتلميذ ما فاته في القسم."

المضاربة في المعرفة

وحتى الدروس الخصوصية درجات ومراتب، أقلها تلك الحصص التي يقدمها الأستاذ لتلامذته في منزله، وغالبا ما يكون الثمن خمسين درهما للشهر مقابل حصة واحدة أسبوعيا، وهناك بعض الأساتذة يلقون دروسا خصوصية للتلاميذ في قبو أو مرأب "جراج" لتقليص المصاريف.
وعندما يتعلق الأمر بمجموعة من الأساتذة مختلفي التخصصات يكترون مدرسة خاصة، فالثمن يبدأ من مائة درهم شهريا مقابل حصتين أسبوعيا، ومأتي درهم شهريا مقابل أربع حصص أسبوعيا. ويرتفع الثمن بارتفاع مستوى المدرسة المكتراة، من ناحية حالة المرافق من قاعات وطاولات ووسائل راحة، وكذلك باختلاف سلك التعليم، ويرتفع الطلب بالخصوص على دروس الرياضيات والفيزياء واللغات الحية والعلوم الطبيعية.
ويقر أغلب التلاميذ بأن مساوئ الدروس الخصوصية أكثر من منافعها، تقول "كريمة" طالبة بمستوى الباكالوريا بثانوية عثمان ابن عفان بالدار البيضاء: "سلبياتها أكثر من إيجابياتها، وأنا شخصيا جربتها في السنة الماضية، فهي من جهة إثقال على كاهن التلميذ، حيث يضيق عليه الوقت ولا يبقى له وقت للراحة، مما يؤدي إلى الإرهاق وضعف التركيز. ومن جهة أخرى عندنا في المغرب أصبحت وسيلة ربح من الدرجة الأولى، حيث أن الأساتذة لا يلقون الدروس بالطريقة المطلوبة داخل المدارس الحكومية، وبالمقابل يطلبون من التلاميذ القيام بالدروس الخصوصية حتى يتسنى لهم الفهم، وهذه طريقة وضيعة لربح المال مع احترامي لبعض الأساتذة، لأن هناك قلة من أصحاب الضمير."
ويقول المهدي وهو حاصل على الباكالوريا: "رغم أن الأسرة التي أنتمي إليها يشتغل معظم أفرادها بمهنة التدريس، إلا أنني أرى بأن الدروس الخصوصية ليست الحل الأمثل. رغم أنها أصبحت الموضة السائدة لدى الكثير من الناس، والأكثر من ذلك أنها أصبحت معيارا لجدية الطالب، وهذا فهم خاطئ، فمن خلال تجربتي الشخصية لم يسبق لي أن شاركت في أي درس خصوصي، ومع ذلك فالحمد لله اجتزت كل سنوات الدراسة دون رسوب حتى حصلت على شهادة الباكالوريا. وبهذه المناسبة أريد أن اطرح سؤالا: ماذا ننتظر من المدرس الذي لا يشتغل في القسم، ويجعل كل همه وتفكيره في الدروس الخصوصية؟ ".
وتجدر الإشارة إلى أنه لم تكن لأحد الجرأة على إثارة هذا الموضوع وطرحه بشكل جدي، من مديرين أو نواب أو حتى بعض الآباء الانتهازيين في العديد من جمعيات أولياء أمور التلاميذ. لذلك فالدولة تظل مطالبة بتسليط الضوء على ما يجري ليلا في مدارس الساعات الخصوصية، ودراسة الوضع من جميع جوانبه دراسة عميقة متأنية، حتى تضمن لأبناء الفقراء تعليما جيدا داخل المدارس الحكومية، وتأخذ لهم حقهم من بعض رجال التعليم الجشعين الذين يستغلون مكانتهم من أجل إعادة بيع المواد الدراسية التي يتقاضون عليها أجرا من الدولة، حتى أصبح الأمر شبيها بالمضاربة في المعرفة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يبقى على أولياء التلاميذ أن يعرفوا بأن مراكمة المواد والزيادة في ساعات الدراسة لا يكون دائما في مصلحة التلميذ، فقد تكون له نتائج عكسية، والدليل على هذا أن بعض التلاميذ يتهربون من هذه الدروس بعدة وسائل، فتجدهم ليلا يؤثثون الأزقة الضيقة التي لا تعرف كثرة المارة، مختبئين عن عيون الرقباء، يمسكون محافظهم ويستمعون إلى الأغاني في انتظار وصول موعد الخروج من أجل العودة إلى بيوتهم. كما أن بعض التلاميذ يوهمون آباءهم بأنهم مسجلون في حصص الدروس الإضافية، ويحتفظون بالنقود لأنفسهم ويختفون عن الأنظار كل مساء، ليوهموا أولياءهم بأنهم يذهبون لتلقي الدروس الليلية