الاثنين، 16 يونيو 2008

المهدي بنبركة لم يمت

بعد 43 سنة من حادثة اختطافه
المهدي بنبركة ما زال حيا

يبدو أن شبح المهدي بنبركة سيتبع المتهمين بقتله إلى الأبد، فبعد مرور أزيد من 43 سنة على اختفاء المعارض اليساري المغربي لا زالت تداعيات القضية تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، معلنة شوطا آخر لهذه التراجيديا التي يبدو كأنها لن تنتهي.. فهل يستطيع ميلود التونزي، وهو أحد المتابعين في القضية، إسقاط مذكرة القاضي باتريك راماييل القاضية باعتقال خمسة مسؤولين مغاربة منهم جنرالان متابعين في ملف بنبركة؟

تم مؤخرا فتح تحقيق ضد مجهول لدى محكمة باريس العليا من طرف النائب العام للجمهورية، بتهمة الإخلال بسرية التحقيق في قضية اختطاف المعارض المغربي المهدي بنبركة عام 1965، وذلك بعدما كشفت قناة فرانس3 الفرنسية في أكتوبر 2007 عن وجود مذكرات دولية باعتقال خمسة مسؤولين مغاربة، على رأسهم الجنرالان حسني بنسليمان وعبد الحق القادري.
وجاء طلب فتح التحقيق إثر مخابرة قضائية ضد مجهول صدرت في 25 فبراير 2008 بعد شكوى تقدم بها ميلود التونزي قبل بضعة أشهر، والذي ورد اسمه بين المطلوبين الخمسة في مذكرات القاضي الفرنسي باتريك راماييل المكلف بالتحقيق في ملف اختطاف المعارض المغربي الاشتراكي المهدي بنبركة.
ففي أكتوبر 2007 بثت قناة فرانس 3 تحقيقا عن قضية المهدي بنبركة، وأعلنت فيه أن القاضي الفرنسي راماييل المكلف بالملف أصدر خمس مذكرات توقيف في حق خمسة مسؤولين أمنيين مغاربة، من بينهم الجنرالان بنسليمان والقادري؛ لينشر التونزي إثر ذلك بلاغا رسميا صرح فيه بأنه تلقى مكالمة هاتفية من الصحفي جوزيف توال صاحب التحقيق قبل يومين من بثه على قناة فرانس3، وقال التونزي إن الصحفي الفرنسي أخبره بأن هناك مذكرة توقيف ستصدر ضده خلال 24 ساعة.
وبعد شهر من هذه المكالمة رفع التونزي دعوى رسمية في شهر نونبر2007 بخرق سرية التحقيق ضد جوزيف توال، وفي 25 فبراير الماضي رفعت دعوى قضائية ضد مجهول بدعوى المساس بسرية التحقيق. واليوم يفتح النائب العام للجمهورية لدى محكمة باريس العليا تحقيقا لتحديد المسؤول عن هذه التسريبات في ملف بنبركة ذي الحساسية البالغة.
وبينما تسير كل المعطيات نحو أن القاضي الفرنسي راماييل هو من سرب خبر تلك المذكرات، يراهن المغرب على وجود خطأ في الشكل لإفراغ تلك المذكرات من قيمتها.

القاضي راماييل يزور المغرب ليواجه المتهمين

وكان القاضي الفرنسي باتريك راماييل قد زار المغرب سابقا من أجل الاستماع إلى مسؤولين سابقين يعتبر أنهم شاركوا من مستويات مختلفة في عملية الاختطاف، وذلك ليستمع إليهم كشهود وليس كمتهمين، في إطار لجنة الإنابة القضائية في هذا الموضوع. وكانت المهزلة أنه عندما سأل عن عنوان الجنرال بنسليمان أجابه القاضي المغربي بأنه لا يعرف أين يقيم قائد الدرك الملكي.
وكان البشير بنبركة نجل الزعيم المغربي المعارض، قد أعلن لوسائل الإعلام الوطنية أنه طالب وزير العدل عبد الواحد الراضي بتفعيل مذكرة التوقيف التي أصدرها القاضي الفرنسي راماييل في حق كل من الجنرال حسني بنسليمان الذي يشغل حاليا منصب قائد قوات الدرك الملكي، وعبد الحق القادري المدير السابق للاستخبارات العسكرية، وميلود التونزي الملقب بالشتوكي، ومحمد العشعاشي وبوبكر الحسوني، وهم ثلاثة عناصر سابقة في "الكاب 1"، إحدى وحدات الأجهزة السرية من المخابرات المغربية.
وأضاف البشير بنبركة أن "طلب توقيف تلك الشخصيات المغربية الخمس من طرف القاضي راماييل جاء بناء على المهام التي كانت تشغلها إبان اختطاف بنبركة في نهاية أكتوبر 1965، حيث كان حسني بنسليمان، يقول البشير، يشغل منصب "كابتان" في ديوان وزير الداخلية آنذاك الجنرال محمد أوفقير، فيما كان القادري ملحقا عسكريا بالسفارة المغربية بباريس، أما العشعاشي والتونزي والحسوني فقد كانوا عناصر في الكاب1."
ويراهن البشير بنبركة على الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الكشف عن حقيقة اغتيال والده، و قال البشير: "عائلة بنبركة لا تريد أن تنتقم من أحد، وإنما تريد أن يكون للمهدي قبر تزوره للترحم عليه."
وقد كشفت الدولة الفرنسية عن بعض الوثائق تحت ضغوطات البشير بنبركة الذي ظل يكافح من أجل إنصاف والده، ولكنها كانت وثائق جزئية. ولم تكشف فرنسا عن أوراق أهم وخصوصا حقيقة المسؤولين ومدى علمهم بالعملية. ليبقى السؤال العريض الذي يطرح نفسه اليوم هو لماذا لم يقم المغرب بعد 43 سنة من هذا الحادث بوضع حل نهائي لهذا الملف، وتحديد القاتلين، وطي هذه الصفحة التي تسيء إلى سمعة البلاد كلما طال مسلسلها؟

لغز بنبركة حير هيئة الإنصاف والمصالحة

وكان تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة فرصة مناسبة لإيجاد حل نهائي لقضية بنبركة وطي هذا الملف الشائك بشكل نهائي، إلا أن الهيئة عجزت عن فك هذا اللغز، شأنها شأن القضاة الذين تكلفوا بملفه منذ اختطافه، حيث ظلوا يصطدمون بالحاجز الكبير الذي هو حفظ أسرار الدولة المغربية والفرنسية.
وكان إدريس بنزكري رئيس هيئة الإنصاف والمصالحة قد قال في حوار له مع قناة الحرة إن هيئة الإنصاف والمصالحة بحثت في ملف بنبركة ووصلت إلى جزء من الحقائق في هذا اللغز، واستمعت إلى مسؤولين سابقين من المغرب شاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر، أو كانوا حاضرين أثناء عملية اختطاف بنبركة. وأضاف بنزكري إن فرنسا هي المسؤولة المباشرة عن جزء خطير جدا من العملية، وهي عملية الاعتقال والاختطاف والقتل داخل التراب الفرنسي، وأن هذه حقيقة لا يتحدث عنها الجميع بشكل واضح وصريح. ولحد الآن لم تكشف وثائق الأرشيفات الفرنسية عن حقيقة ما جرى بالضبط في هذه العملية. وأضاف إن هيئة الإنصاف والمصالحة عند بحثها في الموضوع كان تركيزها الأساسي هو البحث عن جثمان المهدي بنبركة، وقادها هذا البحث إلى مراجعة العملية منذ البداية، فوجدت مناطق ظل تم التستر عليها.
وإذا كان الصحفي الإسرائيلي شمويل سيغيف، الذي ألف كتابا حول القضية، يحمل الموساد جريمة اغتيال بنبركة، فإن إدريس بنزكري حملها لفرنسا بشكل مباشر، مع تحميل مسؤولين مغاربة نصيبا من المسؤولية. وعزى ذلك إلى أن الاغتيال تم داخل الأراضي الفرنسية وبعلم وبحضور مسؤولين كبار من النظام الفرنسي.

اغتيال بنبركة والروايات المتعددة

اغتيل المهدي بنبركة العضو القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي سنة 1965 بباريس على يد المخابرات المغربية والفرنسية والأمريكية والإسرائيلية (الموساد). وكان بنبركة مناضلا حزبيا وأستاذا لمادة الرياضيات، حصل على شهادة الإجازة في الرياضيات بالجزائر سنة1944 ودرس في الكلية الملكية بالرباط، حيث كان لملك الراحل الحسن الثاني واحدا من طلبته. واختلفت الروايات حول طريقة اختطافه واغتياله وتذويبه في حامض الكبريت أو في ماء النار، كما تعددت الأخبار حول مكان دفن جثته.
وتولى عدة مناصب أهمها انتخابه رئيساً لاتحاد طلاب شمال إفريقيا عندما كان يدرس الرياضيات بالجزائر، وفي عام 1956 انتخب رئيساً للجمعية الوطنية الاستشارية، كما انتخب قبيل اختطافه رئيساً لمنظمة تضامن شعوب آسيا وإفريقيا.
وتعددت الروايات حول سيناريو الاختطاف والقتل، وتبقى الرواية الأكثر شيوعا أن بنبركة وصل يوم الجمعة 29 أكتوبر 1965 إلى باريس قادما من جنيف بجواز سفر دبلوماسي جزائري، ووضع حقائبه في منزل صديقه اليهودي المغربي جو أوهانا، ليتوجه بعد ذلك سيرا على الأقدام إلى حانة "ليب" بشارع سان جرمان بالعاصمة الفرنسية باريس، حيث كان على موعد مع بعض الأشخاص من بينهم المنتج السينمائي جورج فيغون، الذي أوهم بنبركة بأنه مكلف بإنتاج فيلم وثائقي حول موضوع إزالة الاستعمار بقلم الكاتبة الفرنسية مارغريت ديراس وإخراج جورج فرانجو، كما تم إيهام بنبركة بأنهم يحتاجون إلى مساعدته كمستشار تاريخي، ولم تكن هذه القصة سوى فخا كبيرا لاستدراج المعارض التقدمي، حيث أوقفه في تلك اللحظة شرطيان فرنسيان باللباس المدني هما لوي سوشون وروجيه فواتو، واقتاداه بالسيارة التي كان يقودها المخبر الفرنسي انطوان لوبيز إلى فيلا يمتلكها جورج بوشيساش بفونتني لوفيكونت بالضواحي الجنوبية لباريس، حيث قيدت قدماه ووثقت يداه وراء ظهره، ووضع الدليمي رأسه في إناء مليء بالمياه، وفي لحظة ما أفرط في الضغط على حلقه مما أدى إلى موته اختناقا. وبعد ذلك وصل وزير الداخلية المغربي آنذاك الجنرال أوفقير إلى باريس لتنظيم عملية الدفن التي جرت بسرية كبيرة في باريس بعد أيام من وفاته.
وكان بنبركة قد تعرض قبل اختطافه إلى محاولات اغتيال في المغرب إحداها بواسطة سيارة تابعة للشرطة، وقد أحدثت تلك المحاولة عطباً في فقرات رقبته اضطرته إلى استخدام اللفافة حول عنقه وهي التي يستخدمها المصابون بتكلس فقرات الرقبة أو فقرات أعلى الظهر. كما تعرض أيضا لمحاولات اغتيال بجنيف وحوكم بالإعدام بسبب مواقفه السياسية.
وأصبحت قصة بنبركة مادة حكائية دسمة استغلها العديد من الكتاب والروائيين في إبداعاتهم القصصية والروائية، كما استغلها العديد من المخرجين في أفلامهم السينمائية، كان آخرها فيلم "شاهدت اغتيال المهدي بنبركة" للمخرجين سعيد السحيمي وسيرج لو بيرون والذي تم عرضه سنة 2005.
وقال شمويل سيغيف إن المعارض المغربي المهدي بنبركة الذي اختطف منذ 42 عاما في باريس، قتل بيد أحمد الدليمي الذي كان الرجل الثاني في الشرطة السرية المغربية ودفن في العاصمة الفرنسية.
وأضاف سيغيف إن الجنرال أحمد الدليمي لم يكن يريد قتله، بل فقط إجباره على الاعتراف بأنه ينوي إسقاط نظام الملك الحسن الثاني.
وشاءت الأقدار أن يموت الدليمي في حادثة سير في ظروف غريبة وغامضة عرف بعدها أنه كان يخطط لقلب نظام الحسن الثاني، ونفس الشيء بالنسبة للجنرال أوفقير الذي كان العقل المدبر للانقلاب الفاشل سنة 1972 حيث قام بقصف الطائرة الملكية، كما كان الرأس المدبر قبل ذلك التاريخ لمحاولة انقلاب الصخيرات.

ليست هناك تعليقات: