الاثنين، 9 يونيو 2008

اللعب بالنار في المدرجات

يشترونها من الميناء، ويسللونها إلى داخل الملعب تحت ثياب الفتيات
حذار من(الفلامات) أو اللعب بالنار في المدرجات!

أنس العقلي/أسبوعية المستقل

ما إن انطلقت مباراة الوداد ووفاق سطيف، حتى اشتعلت جنبات مركب محمد الخامس بالشعلات الاصطناعية في مشهد رهيب، وانطلقت الألعاب النارية التي أصبحت تحضر بقوة في ملاعبنا الوطنية خصوصا في اللقاءات الكبيرة، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الأجهزة الأمنية من أجل منع إدخالها للملعب.. كل التفاصيل المثيرة لاقتناء (الفلامات) وطرق تسريبها إلى داخل الملعب في هذا الروبورتاج:

مع انطلاق لقاء الوداد ووفاق سطيف، بدأ الجمهور الذي حضر من مختلف أنحاء المغرب ممارسة هوايته في اللعب بالنار كوسيلة لتشجيع الفريق وبث الروح الحماسية داخل صفوف اللاعبين، واكتست مدرجات مركب محمد الخامس بحلة برتقالية بهيجة أضفت عليه بهاء وجمالا يسحر الألباب، زاد من روعته أن الوقت كان ليلا، مما جعل النيران تبدو ساطعة متألقة في لونها البرتقالي الوهاج. ولكن هذا الجمال ينطبق عليه المثل القائل: "ليس كل ما يلمع ذهبا"، لأن هذه الألعاب النارية تشكل خطرا كبيرا على سلامة المتواجدين بالملعب، وتتسبب بسهولة في حروق خطيرة للإنسان.

(الفلامات) مصنوعة خصيصا للبحارة

انتظرت حتى نهاية الشوط الأول، وأخذت أشق طريقي بين الجماهير الغفيرة إلى حيث تستقر جماعة كبيرة المشجعين المهووسين بعشق الكرة، والذين وصل بهم جنون المستديرة إلى التفنن خلال فترات الشوط الأول في لعبة النار. كنت أعرف خطورة ما أقوم به، فالألعاب النارية ممنوعة، وكل من تضبط معه شعلات يتم اعتقاله، لذلك فمن الطبيعي أن يعتقدوا أنني شرطة سرية أو ما شابه، ولكنني غامرت، وقررت أن ألعب أنا أيضا بالنار، ولكن بشكل مخالف.
"نحن نشتري الفلامات من الميناء"، هكذا صرح لنا أحد المشجعين، وأضاف صديقه الذي كان بجانبه:"الفلامات مصنوعة خصيصا للبحارة، وهناك أشخاص يمتلكون بطاقة السماح بالعبور إلى الميناء، وبعضهم يقومون بشرائها ويبيعونها للمشجعين في السوق السوداء". وقال مشجع آخر كان يصبغ وجهه بالألوان:"(الفيموجين) هو الذي يعطي نكهة للمباراة، لذلك فهناك من يعمل طول الأسبوع، وينفق ماله في شرائها، يبقى أحيانا بدون أكل، من أجل ابتياع (الفلام)". وأثناء هذا الحوار كان أحد المشجعين يصيح:" إذا كانوا هم في الجزائر يفتخرون بالملعب الذي يلقبونه بملعب النار، فنحن اليوم أردنا أن نثبت لهم أننا نمتلك ملعب جهنم".
إن هؤلاء المشجعين يشترون شعلات نارية يصل ثمن الواحدة منها إلى 150 درهما، سواء من الموانئ أو من مدينة سبتة بالنسبة للمناطق الشمالية، ويتحدون ظروفهم المادية العسيرة في غالب الأحيان، في سبيل تشجيع النادي، كما يتحدون أيضا رجال الأمن الذين يفرضون رقابة شديدة خارج أسوار الملعب بغاية منع تسريب أية شعلات نارية إلى داخل المدرجات. فكيف يتم إدخال الشعلات النارية رغم كل هذه الحراسة؟.
يقول أحد المشجعين:" نقوم بتسريب الفيموجين عن طريق البنات، اللواتي يدخلنها داخل ملابسهن، كما يمكن تسريبها داخل الساندويتشات، أو داخل الطبول". وقال مشجع آخر:" أحيانا ندخل الملعب قبل يوم المباراة، ونقوم بإخفاء الفلامات في أماكن داخل الملعب، وفي يوم المباراة نستعملها". وقال مرافقه:" حتى الذين يقفزون الأسوار دون أداء ثمن التذكرة، يدخلونها معهم، وهناك طرق كثيرة..".

حجز ما بين 30 و100 شعلة في كل مباراة

وخرجت خارج الملعب، حيث قابلت أحد رجال الأمن الذي حاولت استفساره حول أخطار استعمال الشعلات الاصناعية، وقبل بالحديث معي شريطة عدم الإفصاح عن اسمه، قال:" نحن نمنع تسريب الشعلات الاصطناعية إلى داخل الملعب، ونفتش المشجعين واحدا واحدا، ونحجز في كل مقابلة هامة ما بين ثلاثين ومائة شعلة، ولكن مع ذلك يتمكن بعض المشجعين من تسريب بعض الشعلات لإيقادها داخل الملعب، وهناك يتكلف رجال الوقاية المدنية بإخمادها." وأضاف رجل الأمن:" المشجعون الذين يسللونها يسيئون استخدامها، لأن الكثير منهم قاصرون، وبعضهم قد يكونون تحت تأثير مخدر مما يجعلهم لا يتحكمون في تصرفاتهم، لذلك لا يجب استخدام هذه الألعاب النارية الخطيرة داخل ملعب مكتظ بالناس، فذلك يعرض المتفرجين للإصابة بحروق على مستوى الشعر والوجه والملابس، كما يمكن أن تحرق العشب والحلبة المطاطية وأي شيء في الملعب، هذا بالإضافة إلى دخانها الكثيف والوقت الذي يضيع بسبب توقف اللقاء في كل مرة."
وعدت من جديد إلى المدرجات من أجل متابعة الشوط الثاني، كانت الألعاب النارية مستمرة، وفي لحظة من اللحظات شاهدت عددا هائلا من المتفرجين يتجمعون حول فتاة، كانت المسكينة قد احترقت عيناها بسبب شعلة، وفقدت حاسة البصر بعدما دخلت إلى الملعب سليمة العينين.
لقد تبين لنا في النهاية أن الشعلات الاصطناعية تحمل خطورة كبيرة على سلامة كل المتواجدين داخل الملعب، بعدما شاهدنا دخانها الكثيف الذي يتسبب لبعض المشجعين في حالات اختناق خصوصا المصابين بأمراض التنفس، كما أن بعض الطائشين يقومون بالتلويح بها بشكل عشوائي أو قذفها بدون اتجاه أو تهديد الآخرين بواسطتها مما قد يتسبب لبعض سيئي الحظ في حروق بليغة. فهل من الضروري تهديد سلامة الآخرين من أجل تشجيع الفريق؟.

لعبة النار!
أصبح استخدام الشعلات الاصطناعية أو ما يطلق عليه (الفلامات) أو(الفيميجان) ظاهرة تتكرر في كل مباراة كبيرة، فرغم تغريم الوداد مبلغ خمسة آلاف دولار أمريكي من لدن الاتحاد العربي، بسبب الألعاب النارية التي قام بها الجمهور الودادي في لقاء الإياب أمام الفيصلي بالدار البيضاء، ورغم النداء الذي وجهه مسيرو الوداد إلى الجمهور بعدم إضرام الشعلات الاصطناعية داخل الملعب أمام وفاق سطيف، فقد شاهد الجميع كيف اشتعل مركب محمد الخامس بالألعاب النيرانية أمام الفريق الجزائري؛ ونفس الشيء حصل في لقاء ربع نهاية كأس العرش الذي فاز فيه المغرب التطواني على الرجاء بهدف لصفر، حيث أصبحت هذه الظاهرة تتكرر في العديد من المباريات الهامة، رغم أن القانون المغربي يمنع استعمال هذه الشعلات داخل مدرجات الملاعب نظرا لخطورتها على سلامة الجمهور واللاعبين وكل المتواجدين داخل الملعب.

ليست هناك تعليقات: