الاثنين، 9 يونيو 2008

انفلات الأسعار يهدد المغاربة بالمجاعة

بعد الزيادات الصاروخية في أسعار المواد الغذائية

أنس العقلي/جريدة المستقل

عرفت المواد الغذائية الأساسية خلال الأشهر الأخيرة زيادات قياسية غير مسبوقة، وهو ما جعل الأمم المتحدة تصنف المغرب في خانة الدول المهددة بالمجاعة، وإذا كان المغاربة قد أعلنوا انهزامهم أمام ارتفاعات الأسعار الحالية، فإن هذه ما تزال مرشحة لارتفاعات مهولة خلال الأيام القادمة..

قالت نانسي رومن مديرة الاتصالات ببرنامج الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إن تواصل ارتفاع أسعار المواد الغذائية يهدد بارتفاع نفقات الأسر المغربية، وبالتالي حدوث اضطرابات اجتماعية بسبب سوء التغذية والجوع ذي الطابع الخاص. ويبقى المغاربة مهددين بالجوع إلى جانب كل من بوركينا فاصو والكاميرون السنغال. وقالت نانسي رومن إن ارتفاع أسعار الغذاء في الأسواق الدولية منذ صيف 2007 بنسبة 40 في المائة هو السبب الأساسي في هذه الزيادات. ووجهت المسؤولة الأممية في هذا الصدد نداء عاجلا للمجتمع الدولي، شددت فيه على أن الوضع أصبح أكثر حرجا من أي وقت مضى، خصوصا خلال الأشهر الستة الأخيرة. ويذكر أن الفئات الفقيرة من المجتمع المغربي لم تشهد منذ ثمانينات القرن الماضي تدهورا في المستوى العام للمعيشة وانهيارا في القدرة الشرائية مثل الذي شهدته خلال الشهور الأخيرة.

انفلات الأسعار

أصبحت القدرة الشرائية للمواطن المغربي في مهب الريح بعد تقلبات السوق الدولي وبورصات المضاربة في المواد الأساسية، بعد أن أصبحت مجموعة من المواد الغذائية خارج نطاق التحكم، على رأسها الحبوب والزيوت والحليب والخضراوات واللحوم بأنواعها. في الوقت الذي أصبحت فيه الحكومة المغربية عاجزة عن التصدي لانعكاسات الأسعار الدولية على السوق الداخلي، وأصبحت ترفع شعار حرية الأسعار وتكتفي بحصر دائرة اهتمامها في دعم المحروقات والسكر والخبز. ومما زاد الطين بلة اعتماد الحكومة الضريبة على القيمة المضافة مما زاد في تأجيج لهيب الأسعار أكثر فأكثر.
وتم يوم الأربعاء الماضي إقرار زيادة جديدة في أسعار غاز البوتان، حيث ارتفع ثمن القنينة الصغيرة من عشرة دراهم إلى خمسة عشر درهما، بينما ارتفع ثمن القنينة الكبيرة من أربعين إلى خمسين درهما دفعة واحدة، وتعتبر هذه الزيادة الصاروخية الأولى من نوعها من سنوات.
وما دامت مادة البوتان مقننة الأسعار وتدعمها الحكومة من خلال صندوق المقاصة، فمن هي الجهة التي رخصت بالزيادة في أسعار غاز البوتان؟ خصوصا أن الحكومة خلال السنتين الأخيرتين أعلنت عن مجموعة من الزيادات في أسعار المحروقات، واستثنت منها غاز البوتان تفاديا للتأثير على القدرة الشرائية للمواطن البسيط.
وعرف زيت المائدة بدورة ارتفاعا مهولا خلال الشهور الأخيرة تجاوز المائة بالمائة، حيث انتقل سعره في ظرف وجيز من ثمانية دراهم إلى خمسة عشر درهما للتر، ويعزى سبب ذلك إلى دخول مادة الصوجا المستعملة في صناعته، في صناعات أخرى، مما جعل أسعارها ترتفع بشكل مطرد في الأسواق العالمية.
وقد تجاوزت نسبة الزيادة بالنسبة لبعض المواد الغذائية الأخرى أيضا مائة بالمائة، كما هو الشأن بالنسبة لمادة الدقيق، حيث انتقل سعرها تدريجيا في مدة قياسية من 5.50 إلى 6.50 درهما ليصل في الأخير إلى عشرة دراهم، وهو سعر قياسي يهدد بقوة القدرة الشرائية للمواطنين. وعرف القمح بدوره زيادة صاروخية بلغت بنسبة ثلاثين بالمائة، حيث انتقل السعر من 455 درهما إلى 650 درهما للقنطار الواحد.
ومست الزيادات أيضا مشتقات القمح كمادة السميد التي وصل سعر الكيلوغرام منها إلى تسعة دراهم بعدما لم يكن يتجاوز ستة دراهم. وقد فوجئ المواطنون بسلسلة الزيادات المتتالية خلال فترة قياسية التي أصبحت حديث الناس وشغلهم الشاغل.
ويواجه المواطن المغربي غلاء المواد من جهة، والمضاربات في الأسعار من جهة أخرى، حيث يعمد التجار الانتهازيون إلى استغلال الفرص والاحتكار والزيادة في أسعار المواد بشكل غير قانوني، مع عدم تعليق لائحة الأسعار في ظل غياب مراقبة حقيقية.

انتفاضة المواطنين

وعرفت مجموعة من المدن المغربية العديد من الاحتجاجات والمظاهرات العارمة بفعل تردي الأوضاع وغلاء المعيشة واحتكار الثروات، ولم تكن أحداث صفرو في 23 من شتنبر الماضي سوى بداية لمجموعة من الوقفات الاحتجاجية ضد الغلاء، التي نظمتها التنسيقيات في مجموعة من المدن والمراكز، رغم التشديد في إجراءات الترخيص بخصوصها، تفاديا للانفلات الذي جرى بصفرو وضواحيها.
ومن بين مظاهر الاحتجاج لدى المواطنين انتفاض الشارع المراكشي يوم الجمعة 29 فبراير 2008 بباب دكالة، حيث انضم مئات المواطنين إلى الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها التنسيقية المحلية لمناهضة الغلاء وتدهور الخدمات الاجتماعية. وعكست الوقفة الغضب الذي أصبح الكثيرون يشعرون به وهم يعاينون تزايد الأسعار أمام قلة ذات اليد وهزالة الأجور.
ورفع المتظاهرون في مراكش شعارات مناوئة لغلاء الأسعار في الوقفة التي دامت أكثر من ساعة ونصف. كما حملوا خبزات صغيرة تعبيرا منهم على غلاء المعيشة وتنديدا بالزيادات المتتالية في مادة الدقيق والمواد الغذائية الأخرى، وكذلك ارتفاع أسعار المواد الأساسية والخدمات الاجتماعية، من فواتير الماء والكهرباء ورسوم العلاج، التي كانت بمثابة النقطة التي أفاضت كأس الغضب الجماهيري في مختلف
جهات المغرب.
وعرفت العاصمة الرباط بدورها احتجاجات للمواطنين على ارتفاعات الأسعار، حيث سبق للتنسيقية الوطنية لمناهضة ارتفاع الأسعار أن نظمت مسيرة وطنية يوم 24 دجنبر 2006 بالرباط تحت شعار ''جميعا ضد ضرب القدرة الشرائية للجماهير الشعبية''، وشاركت في المسيرة 73 منسقية من مختلف أقاليم المملكة.
ورفع المحتجون خلال المسيرة شعارات منددة بارتفاع لأسعار، كما رفعوا قطع الخبز تعبيرا عن الاحتجاج على الزيادة في المواد الغذائية. وقام بعض الشباب تعليق علب فارغة للحليب على صدروهم وحمل ملاعق وصحون، للتعبير عن ارتفاع الأسعار، كما حمل بعضهم أعلام ''تشيغفارا'' بينما حمل البعض الآخر العلم الفلسطيني.
السوق المغربية والسوق الدولية
ينعكس تزايد أسعار النفط والفحم في الأسواق الدولية بشكل مباشر على الأسعار بالمغرب، وقد أصبحت الزيادات المتتالية في سعر استهلاك الوقود بالمغرب، وما يعقبها في الغالب من ارتفاع في أسعار بعض المواد الأساسية والخدمات، تثير قلقا كبيرا لدى العموم، لارتباطها المتزايد بتقلبات الأسعار العالمية للبترول. وقد اكتفت الدولة في كل مرة بتبرير الزيادة في أسعار المحروقات بارتفاع أسعار البترول في الأسواق العالمية، كما بررت الزيادة الأخيرة في سعر استهلاك الكهرباء بصعود أسعار الفحم وباقي المحروقات، والتي تدخل بنسبة تسعين بالمائة في إنتاج الطاقة الكهربائية بالمغرب، في غياب بدائل أخرى للطاقة.
فعلى سبيل المثال اضطرت الحكومة المغربية إلى تقرير زيادات في مادة السكر، التي يستوردها المغرب، بسبب ارتفاع تكلفة مادة "الميتانول" المستخرجة من قصب السكر، بسبب ارتفاع أسعار البترول، وهو ما أدى إلى تقلص العرض من السكر في الأسواق العالمية، وبالتالي إلى زيادة سعر بيعه في هذه الأسواق، وزيادة سعره تبعا لذلك بالأسواق المغربية.
ونفس الشيء يقال عن زيت الزيتون التي ارتفع الطلب على استهلاكها في ظل تراجع مستوى الإنتاج بالعديد من الدول المصدرة، خاصة بأسبانيا، وهذا ما أدى إلى ارتفاع قياسي في ثمن بيع هذا المنتوج بالمغرب.
إن الحكومة المغربية لا يجب أن تقوم بدور المتفرج حيال هذا الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الأساسية، بل هي مجبرة على الأقل على وضع استراتيجية عمل، كما هو الحال في بعض الدول الإفريقية كسييراليون، من أجل تأمين نسب مهمة من حاجيات الاستهلاك الضرورية. كما يجب العمل على رفع أجور ذوي الدخل المحدود وتطبيق السلم المتحرك للأجور بما يوازي الحد الأدنى للمعيشة، حتى لا ينضاف المغرب صاحب الأراضي الخصبة والبحار الغنية إلى الدول التي تعاني من المجاعة.

ليست هناك تعليقات: