الاثنين، 9 يونيو 2008

هل السكن الاقتصادي سكن لائق؟

يبلغ حجم الخصاص في المغرب مليون وحدة سكنية


أنس العقلي/جريدة المستقل

يعاني المغرب شأنه شأن جل بلدان العالم من أزمة خانقة في مجال السكن، بسبب الانفجار الديموغرافي السريع الذي شهدته البلاد خلال العقود الأخيرة.. وهذا ما جعل الدولة تهتم بتوفير شقق اقتصادية لمحاولة تغطية النقص الحاصل.. ويبقى السؤال المطروح هو هل السكن الاقتصادي في المغرب يستجيب لمواصفات السكن اللائق؟

ارتفع الطلب على السكن بالمغرب بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين، وهو ما جعل أثمان العقار ترتفع إلى أرقام قياسية، خصوصا في المدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة.. وبالتالي فقد باتت مشاريع السكن تتصدر اهتمامات الحكومات المغربية المتعاقبة خلال هذه الفترة، خصوصا منها مشاريع السكن الاقتصادي، بالنظر إلى المستوى المتدني للقدرة الشرائية للغالبية العظمى من المغاربة، وهذا ما يفسر تبني الدولة لسياسات تحفيزية الغاية منها بلوغ وتيرة بناء مائة ألف سكن في السنة. ومن الملاحظ أن سياسة السكن الاقتصادي جاءت لتلعب دورين، فمن جهة يتم عرض الشقق الاقتصادية على الموظفين الصغار وأصحاب الدخل المحدود الغير قادرين على الحصول على سكن بتكاليف عالية، ومن جهة أخرى نجد أن الدولة توظف الشقق الاقتصادية من أجل إيواء الأسر والعائلات التي تم ترحيلها من مدن الصفيح خصوصا بمدينة الدار البيضاء الذي تسعى إلى التخلص من السكن غير اللائق الذي يشوه منظر وسمعة المدينة.

خصاص كبير و أثمان ملتهبة

إن الشباب اليوم أصبح مضطرا إلى السكن في شقق اقتصادية بسبب الغلاء الكبير والأثمان الملتهبة للعقار في المدن الكبرى، بسبب النقص الحاد والخصاص الكبير الذي يعرفه المغرب في مجال السكن، والذي يقدر بما يفوق مليون وحدة سكنية، حيث أن مدينة الدار البيضاء وحدها عرفت هبوطا ملموسا فيما يخص الأراضي الصالحة للسكن في السنوات الأربع الأخيرة، حيث نزل رقمها من 46 ألف وحدة سكنية سنة 2003 إلى 17 ألف وحدة سكنية فقط سنة 2007. وهذا الخصاص الذي يعرفه الوعاء العقاري بالعاصمة الاقتصادية هو الذي أصبح يجبر المواطن على اللجوء إلى السكن الاقتصادي رغم مساوئه العديدة وسلبياته التي أصبح الجميع يعرفها. فالعمارة التي تأوي ثمان أسر نجد أن جدرانها ناقلة ممتازة للصوت، فإذا تكلم ساكن الطابق الأول سمعه صاحب الطابق الثالث بكل سهولة، أما إذا كان هناك ضرب على الجدار أو على الأرض فحدث ولا حرج، وكثيرة هي الطرائف التي تتحدث عن هذه المشاكل التي تعرفها الشقق الاقتصادية، منها حكاية المرأة التي تتابع مسلسل خصومة جارتها مع زوجها بشكل يومي عن طريق الاستماع عبر الحائط.
وبعملية حسابية بسيطة يمكننا أن نتوقع المآل الذي ستؤول إليه الأوضاع في شقق السكن الاقتصادي في المستقبل، فإذا اعتبرنا أن كل عمارة تأوي ثمان أسر تتكون كل أسرة من والدين و طفل-في حالة وجوده-، فمن المؤكد أن المستقبل سيحمل معه المزيد من الأطفال، و إذا اعتبرنا أن كل أسرة ستعرف مواليد جددا فذلك ما يعني أن عدد السكان داخل العمارة سيتضاعف خلال وقت وجيز، وسيحتاج الأبناء إلى مجموعة من المتطلبات التي لن تضمنها لهم شقة اقتصادية مصممة لشخصين أو ثلاثة على الأكثر. وبالتالي سنجد أنفسنا بعد بضعة سنوات أمام عمارات وإقامات تغص بأفواج من المواطنين الذين يعانون من ظروف سكنية غير لائقة أو على الأقل لا تستجيب لحاجياتهم.
و المشكل الذي تعاني منه الدار البيضاء اليوم هو الارتفاع الكبير في أثمنة العقار حتى المتعلق بالشقق الاقتصادية، حيث بلغ ثمن الشقة (60 مترا) في بعض الأحياء أربعين مليون سنتيم. و هذا ما جعل عددا كبيرا من المنعشين العقاريين ينفتحون على مدن أخرى لا زال وعاؤها العقاري أكثر خصوبة. وهذا ما يفسر لجوء الدولة إلى اتباع استراتيجية تسعى إلى إحداث مدن جديدة إما فلكية أو مستقلة، بغاية إيجاد حل ناجع لأزمة السكن بالمغرب من جهة، وللمساهمة في القضاء على آفة مدن الصفيح من جهة ثانية. حيث تجري حاليا دراسة أمر تشييد مجموعة من المدن الجديدة وهي زناتة بضواحي مدينة الدار البيضاء وتامسنا بضواحي الرباط و تامنصورت بضواحي مدينة مراكش وملوسة بضواحي طنجة وتكاديرت بجوار مدينة أكادير بالإضافة إلى مدينة الخيايطة بجوار حد السوالم. وستشكل هذه المشاريع أقطابا حضارية ستساهم و لو بشكل نسبي في امتصاص الضغط العمراني الكبير على المحاور الحضرية الكبيرة المجاورة لها.

من سكن غير لائق إلى سكن غير لائق

إن السكن مهما كانت بساطته ومهما قلت تكاليفه لا بد أن يستجيب للحد الأدنى من معايير السكن الصحي والمريح ليضمن كرامة ساكنيه، حيث لا بد من توفر المساحة الكافية والجودة في البناء والمساحات الخضراء بالإضافة إلى واجهة على الشمس، عملا بالمثل القائل: البيت الذي تدخله الشمس لا يدخله الطبيب. ولكن مع الأسف نجد أن الكثير من الشقق الاقتصادية لا تدخلها الشمس ولا توفر لأصحابها الظروف الإنسانية المرجوة، وغالبا ما نجد السبب تقصير المستثمرين العقاريين الذين يدفعهم الجشع إلى عدم احترام التخطيط العقاري من أجل تحقيق أكبر ربح ممكن ولو جاء على حساب مصلحة السكان الذين يعتبرون الخاسر الأكبر في هذه الحالة. وتماشيا مع هذا فكثيرا ما نجد مؤسسات البناء والتجهيز ترفض تجهيز المساحات الخضراء داخل الإقامات السكنية بدعوى أن البلدية هي المسؤولة عن ذلك، في الوقت الذي تتنصل البلديات بدورها من المسؤولية وترمي الكرة إلى الطرف الأول، و هكذا يضيع حق السكان في المساحات الخضراء بين هؤلاء وأولئك.
وبالإضافة إلى غياب المساحات الخضراء الكافية يجد سكان الشقق الاقتصادية مجموعة من المشاكل، على رأسها عدم إتقان البناء الذي يتجلى في كثرة التسربات المائية و التشققات على الجدران. وهنا يطرح سؤال عريض حول مدى استجابة البناء للمواصفات المحددة في التخطيط العقاري سواء من حيث احترام المساحات المخصصة للنباتات أو من حيث احترام المعايير الدولية فيما يخص جودة البناء.
أما بالنسبة للأسر التي تم نقلها من السكن غير اللائق فتلك حكاية أخرى، حيث نجد أن غالبية هذه الفئة تذمرت بشكل كبير خصوصا بعدما وجدوا أنفسهم قد انتقلوا من سكن سيء إلى سكن أسوأ. و قد كنت راكبا في الحافلة (خط 144) الذي ينتهي مساره في حي النسيم بالدار البيضاء عندما جلست بجانبي سيدة عجوز، ودون أن أكلمها بدأت تكلمني لوحدها بكل حرقة عن نمط عيش أسرتها في المدينة القديمة الذي كان أفضل بكثير من الواقع الذي أصبحوا يعيشونه في حي النسيم، فقد كانوا رغم تواضع محل سكناهم يستفيدون من الرواج الكبير الذي تعرفه المدينة القديمة و يمارسون عدة أنشطة تجارية بسيطة تدر عليهم دخلا كافيا، أما اليوم ففي حي النسيم الشقق ضيقة والبناء رديء والموقع غير صالح لا للتجارة ولا لأي شيء آخر بسبب وقوعه في منطقة شبه منعزلة و بعيدة عن مراكز الكثافة السكانية المرتفعة. وقد وجدت العائلات المنقلة من كاريان (السكويلة) نفس المشكل في حي ( أناسي) الذي لم يكن أفضل حالا من دور الصفيح في نظر الكثيرين منهم، بالنظر إلى أن الكثير من الأسر الذي كانت (تنعم) بسكن مستقل في كاريان السكويلة أصبحت تجد نفسها معلبة داخل أقفاص ضيقة من الحديد والإسمنت في حي أناسي.
والمشكل الأبرز فيما يخص الشقق الاقتصادية هو أن الكثير من الوافدين يأتون معهم بعادات وسلوكات غير مستحبة ودخيلة عن المجتمع المغربي، حيث يجهل البعض منهم أبجديات ثقافة الملكية المشتركة، و بالتالي يعيثون فسادا في المرافق المشتركة التي هي ملكهم بالدرجة الأولى، من تخريب النباتات إلى وضع أكياس القمامة في السلالم و إغراق النوافذ و الشرفات بتعليق مجموعة من الأغراض والأشياء التي تشوه جمالية العمارة، و إذا كان المثل المغربي يقول: الوجه المشروك عمرو ما يتغسل فإنه ينطبق بشكل كبير على ساكنة الشقق الاقتصادية. والسبب طبعا هو تباين طباع الأشخاص و اختلاف ثقافاتهم و قناعاتهم، وهو ما قد يجعلهم يختلفون في كل شيء و لا يجمعهم إلا السكن المشترك.

ليست هناك تعليقات: