الاثنين، 9 يونيو 2008

روبورتاج عن منطقة سيدي معروف

سيدي معروف/ أولاد حدو
العمران يتوسع والأزمات تتضاعف

أنس العقلي/أسبوعية المستقل

تعرف مدينة الدار البيضاء توسعا عمرانيا سريعا في الجهة الجنوبية الشرقية حيث يمتد حي سيدي معروف أولاد حدو الذي تحول خلال سنوات قليلة إلى ما يشبه مدينة كبيرة. حيث عرفت منطقة سيدي معروف ما يشبه هجرة كبيرة للسكان من أحياء الدار البيضاء الذين فضلوا ترك الأحياء العتيقة والاستقرار بسيدي معروف. وهذا ما نشأ عنه زحف عمراني هام وارتفاع كبير في عدد سكان المنطقة، لم يواكبه أي تطور يذكر على مستوى المرافق والخدمات الأساسية، من طرق ومواصلات وغيرها.. من ماذا يعاني السكان في سيدي معروف؟ ما هي حاجاتهم وكيف هي تطلعاتهم؟ هذا ما حاولنا سبر أغواره من خلال هذا الروبورتاج..

يعرف حي سيدي معروف التابع لعمالة مقاطعة عين الشق إحداث مشاريع سكنية ضخمة تندرج في إطار البرنامج الوطني لبناء 200000 سكن؛ حيث تحتضن هذه المنطقة أزيد من 14000 شقة سكنية جديدة. وقد كثرت الدعايات خلال السنوات الأخيرة للأوعية العقارية بسيدي معروف، حيث أنشأت شركة الضحى إقامات سكنية مختلفة المعايير، منها الشقق الاقتصادية والشقق المتوسطة والفاخرة، هذا بالإضافة إلى المستثمرين الأحرار في قطاع البناء الذين وفروا بدورهم إقامات وشققا سكنية تناسب مختلف الشرائح الاجتماعية.

الضحى لم تلتزم بما صورته في اللوحات الإشهارية

والملفت أن إقامات الضحى لا تتوفر على الحد الأدنى من المساحات الخضراء والساحات ومرافق الترفيه، بالإضافة إلى غياب سوق نموذجي بالإقامات الجديدة للضحى حيث أصبح الباعة المتجولون يشكلون سوقا عشوائية تسيء إلى المظهر المورفولوجي للمدينة وتعوق حركة السير وتزعج السكان. فالضحى باعتبارها مؤسسة متخصصة في البناء كان يجب أن تراعي شروط السكن اللائق والمرافق والمساحات الخضراء، ولكنها لم تلتزم بدفتر التحملات في ظل غياب مراقبة حقيقية من طرف مجلس المدينة. وقد أجمع لنا سكان المنطقة على أن مجموعة الضحى لم تلتزم بما وضعته في الوصلات الإعلامية واللوحات الإشهارية العملاقة التي كانت حسب تعبيرهم مجرد طعم للزبائن الذين ما إن اشتروا شققهم حتى اكتشفوا أن الإقامات لا تتوفر أبسط المرافق الأساسية من مدارس وأسواق.
وداخل الأحياء العتيقة لسيدي معروف توجد سوق نموذجية، ولكنها مهجورة باستمرار بسبب تمرد الباعة المتجولين الذين يكونون سوقا عشوائية في إحدى فضاءات الحي التي تعرف رواجا كبيرا باعتبارها ممرا رئيسيا للسكان، ورغم الحملات التي تقوم بها السلطات المحلية بجماعة سيدي معروف لإرجاع الباعة إلى أماكنهم داخل السوق النموذجي، إلا أنهم سرعان ما يعودون تدريجيا إلى السوق العشوائي. يقول أحد الباعة لـ"لمستقل": "السوق النموذجي بعيد من مركز الكثافة السكانية، لذلك فنحن عندما نرضخ لرغبة السلطات ونستقر داخله يأتي باعة آخرون ويحتلون هذا الفضاء وبالتالي يغيب تكافؤ الفرص، فنضطر إلى ترك أماكننا بالسوق النموذجي والعودة إلى هنا حتى لا نخسر."
ورغم شكاوي السكان القريبين من السوق العشوائي وتحركات السلطة بين الفينة والأخرى فالأمور لا تزال على حالها.

اختناق حركة السير بسيدي معروف

تعرف حركة السير بسيدي معروف اختناقا حادا بسبب التزايد السريع لعدد السيارات الذي شكل ضغطا قويا على الشريان الوحيد بالمنطقة، بالإضافة إلى وجود معبر سكة القطار الذي لا بد من المرور به لكل من يريد مغادرة سيدي معروف باتجاه حي "ليساسفة" أو العكس. وغالبا ما يشل معبر سكة القطار حركة السير لمدة طويلة مما يجعل صفوف السيارات تمتد إلى مئات الأمتار من الاتجاهين وتحدث فوضى سير حقيقية، بسبب غياب حلول بديلة. وحسب الآراء التي استقيناها من بعض المواطنين فإن فترة الانتظار تطول ويطول معها صف السيارات بسبب مجموعة من الأسباب التي أصبحت مشاهد عادية تتكرر كل يوم، من هذه الأسباب أنه أحيانا يمر أكثر من قطار، وفي أحيان أخرى تكون الإشارة كاذبة، والمتضرر في الأخير هو المواطن الذي يظل حبيس المعبر تحت رحمة القطار الذي قد يمر وقد لا يمر.
يحدث هذا في غياب حلول حقيقية لهذا المشكل الذي يزداد عدة يوما عن يوم مع تزايد السكان والسيارات.
وتوجد بسيدي معروف بؤرتان أساسيتان للاكتظاظ، الأولى مركز التقاء الشارع الرئيسي بالشارع المؤدي إلى معبر سكة القطار قرب إقامة الأهالي، وهي البؤرة التي تعرف اكتظاظا دائما زاد من حدته تواجد محطة لسيارات الأجرة البيضاء التي تقف في غالب الأحيان بشكل عشوائي، بالإضافة إلى مرور عدد كبير من الحافلات من تلك النقطة الحيوية التي تحتاج إلى إشارات ضوئية لتنظيم عملية السير فيها. وفي بعض الأحيان تتم الاستعانة بشرطي مرور لفك الأزمة، ولكنه يظل حلا ترقيعيا من السلطات التي يجب أن تفكر جديا في مسألة الإشارات الضوئية.
والبؤرة الثانية هي ملتقى الطرق المحاذي للسوق الممتاز مرجان، والذي يعرف اختناقا دائما بسبب التوسع العمراني السريع التي تعيش على إيقاعه المنطقة التي لم تواكبه حلول موازية على مستوى الطرق، خصوصا وأن الشارع يبقى الشريان الوحيد المؤدي إلى سيدي معروف.

الاكتظاظ بالأقسام التعليمية جاوز 60 تلميذا بالقسم الواحد

يتوفر سيدي معروف على ثلاثة مدارس ابتدائية هي ابن كثير والمتنبي والنهضة، وثلاث ثانويات إعدادية هي أبو بكر الصديق والأطلس وعبد المالك السعدي، وثانوية تأهيلية واحدة هي عثمان بن عفان. ورغم التضاعف الكبير على مستوى الساكنة فإن الدولة لم تستطع أن تضيف سوى ثانوية إعدادية واحدة هي ثانوية عبد المالك السعدي، وذلك لتخفيف الضغط ولو نسبيا على إعدادية أبي بكر الصديق. إلا أن هذا الإجراء لم يغير كثيرا من حالة الاكتظاظ الخانقة التي تعرفها المؤسسات التعليمية بالمنطقة.
تقول إحدى السيدات: "اضطررت إلى تسجيل ابنتي بإعدادية لحسن أو يدر بحي الإنارة حتى أجنبها الاكتظاظ والظروف السيئة بإعدادية ابي بكر الصديق، وأنا حاليا أتحمل مصاريف النقل أربع مرات يوميا حتى تدرس ابنتي في ظروف أفضل."
وفعلا فإعدادية "أبو بكر الصديق" تعرف اكتظاظا كبيرا، حيث يصل عدد التلاميذ بالقسم الواحد إلى ما يقارب 60 تلميذا.
وتعرف منطقة سيدي معروف ظاهرة النقل القروي للتلاميذ عن طريق عربة يجرها حصان مغلفة بغلاف أصفر مكتوب عليه يالأخضر "النقل القروي"، فمدارس سيدي معروف بالإضافة إلى ضغط الساكنة تستقبل أيضا أبناء الدواوير المجاورة وهو ما يزيد من معاناتها مع الاكتظاظ.
وتظل الثانوية التأهيلية الوحيدة بالمنطقة هي ثانوية عثمان بن عفان، والمحاطة بصالتين للألعاب أصبحتا مزودا للتلاميذ بأنواع المخدرات والقرقوبي والمعجون. فعوض أن تمنع السلطات الترخيص لمثل هذه المحلات الخطيرة على الطلبة في مرحلة تعتبر من أشد مراحل العمر حساسية، يتم فتح المجال لهذه الصالات التي لا تنتج سوى المزيد من شباب البولفار.

الأمن بالمنطقة

تتوفر مقاطعة سيدي على مركز أمني واحد، والمنطقة لا تخلو من حوادث السرقة والنشل والاعتداءات، شأنها شأن باقي أحياء الدار البيضاء، ولكن حسب سكان المنطقة فالأمن يعرف استقرارا في الوقت الراهن، رغم الحوادث التي عرفتها المنطقة والتي تتعلق باعتداء بعض قطاع الطرق على بعض المواطنين والتي روعت الساكنة.
وحسب ساكنة سيدي معروف فإن الظاهرة التي تميز الحي وتشكل خطرا على الساكنة هي كثرة كلاب البيت بول الخطيرة التي يتجول بها شبان طائشون، وهي كلاب مزاجية وخطيرة على سلامة المواطن، وممنوعة في البلدان المتقدمة.
كما يعرف سيدي معروف ظاهرة كثرة المتسولين السود القادمين من الدول الإفريقية والذين يأتون إلى المغرب من أجل العبور إلى الضفة الأخرى حيث يكترون غرفا بشكل جماعي في سيدي معروف ويقضون النهار في التسول متجولين بين الأزقة.
ويتوفر حي سيدي معروف على مستشفى وحيد، وهو يفتقر إلى العديد من الأدوية والتجهيزات الأساسية. ويبقى سكان سيدي معروف في حاجة ماسة إلى مستوصف أكثر تجهيزا وتطورا، خصوصا مع معاناتهم اليومية من مصنع الخشب العملاق الذي يحتل المرتبة الثانية إفريقيا من حيث الإنتاج. وحسب بعض التصريحات التي استقيناها من ساكنة المنطقة، فإن المصنع تتصاعد منه مواد كيماوية ضارة بالصحة وتسبب أمراض الحساسية والربو للسكان، يقول أحد السكان:"لقد أخبرني طبيب الجهاز التنفسي بأن هذه الرائحة مضرة بالرئتين وتسبب ضيق التنفس، لذلك فنحن ننتظر نقل المصنع إلى خارج المدينة لأن المنطقة أصبحت سكنية ووجود مثل هذا المصنع هنا يضر بصحة المواطنين."

الرياضة والترفيه

يتوفر سيدي معروف على ملعب رياضي هو الذي تجرى فيه مباريات الفريق الممثل لسيدي معروف والذي يمارس بدرجة الهواة، وهو ملعب مجهز بالإنارة ومستودعات الملابس، ويضم 4 ملاعب غير معشوشبة وبدون مدرجات، يعاني أحدها من حالة غريبة حيث نمت فوقه النباتات الشوكية، وأصبح غير صالح لممارسة كرة القدم، في ظل غياب أي تدخل من لدن السلطات المحلية، بينما يتم إجراء تداريب في كرة القدم لمختلف الفئات العمرية بالملاعب الأخرى.
وتوجد بمحاذاة دار للشباب والذين تعمل على تأطير الشباب وتنظيم أنشطة مختلفة لهم. ويعتبر الملعب إلى جوار دار الشباب متنفسا لشباب المنطقة. كما تنشط بسيدي معروف جمعية الشباب الرياضي التي تهتم بتأطير شباب المنطقة وتنظيم دوريات مصغرة في كرة القدم.

خلاصة

غادرت المنطقة في آخر المطاف، وأنا أدرك أن ما تطرقت إليه ليس إلا جزءا صغيرا من واقع متدهور تعرفه عدة مناطق مغربية، وأن ما خفي أعظم مما طفا على السطح، ليبقى الأمل في أن تعيد السلطات المحلية والجهوية والمركزية النظر في المشاكل العديدة التي تعيشها هذه الأحياء السكنية التي تنشأ عن التوسع العمراني للمدن الكبرى؛ خصوصا وأن الضرورة أصبحت تحتم العمل على تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أجل إنصاف هذه المناطق ورد الاعتبار إلى ساكنتها.

ليست هناك تعليقات: