الاثنين، 9 يونيو 2008

عباس وحكومة الإفلاس

شهد المغرب عدة إخفاقات في العديد من المجالات منذ توليه منصب الوزير الأول

أنس العقلي/جريدة المستقل

إذا كان المثل المغربي يقول "النهار باين من صباحو"، فإن حكومة عباس الفاسي صاحبتها الإخفاقات حتى قبل ميلادها، حيث جاءت هذه الحكومة ابنة غير شرعية لانتخابات استثنائية نزلت نسبة المشاركة فيها إلى 37 بالمائة في سابقة من نوعها بالمغرب، ومنذ تولي عباس منصب الوزير الأول والنكسات تنزل بالمغارب تباعا، بداية من الارتفاعات غير المسبوقة في الأسعار، مرورا بمحاكمات الصحفيين وسجن المسنين بتهم المس بالمقدسات، ووصولا إلى النكسات المتتالية التي حلت بالرياضة الوطنية..

بعدما دامت حكومة التناوب خمس سنوات ما بين 1997 و 2002 تحت رئاسة عبد الرحمان اليوسفي، جاءت حكومة التكنوقراط إدريس جطو، التي احتج عليها بعض الأحزاب في أول الأمر، حيث كان حزب الاتحاد الاشتراكي يتكلم عن المنهجية الديموقراطية، قبل أن يضطر إلى مسايرة قطار المنهجية التكنوقراطية.

حكومة نجاة

دام المخاض العسير خمس سنوات من 2002 إلى 2007، ليعرف المغرب انتخابات استثنائية من حيث عدد المشاركين، حيث سجلت انتخابات 7 شتنبر 2007 أضعف نسبة مشاركة في تاريخ البلاد، لم تتجاوز 37 بالمائة من عدد المواطنين.
وهكذا حصل حزب الاستقلال على 10.7 بالمائة من 37 بالمائة المصوتة، ليتم تعيين عباس الفاسي وزيرا أول؛ بعدما نجا من قضية النجاة، التي قضت على آمال آلاف الشباب المغربي المعطل، حيث لجأ بعضهم إلى القضاء وقاموا برفع دعاوى ضد عباس، بينما بلغ الأمر بالبعض منهم إلى الإقدام على الانتحار.
هذه النتائج الهزيلة جعلته أضعف وزير أول في تاريخ المغرب، وانعكس ذلك حتى على مشاركته في انتقاء تشكيلة الحكومة حيث كان المستشار الملكي عبد العزيز مزيان بلفقيه وراء اقتراح أسماء العديد من الوزراء وتقديمهم للملك بعد الاستعصاء الذي واجهه عباس الفاسي في انتقاء التشكيلة الحكومية. وعلى ذكر التشكيلة الحكومية فقد تميزت بإنزال عدد من الوزراء اللامنتمين، ويتعلق الأمر بعزيز أخنوش وأمينة بلخضرة وأحمد اخشيشن ونوال المتوكل والسعدية قريطيف (ثرية جبران).
ولم نشاهد أثرا لبصمة عباس الفاسي حتى اليوم، بالرغم من مرور أربعة أشهر على توليه مهمة الوزارة الأولى في أضعف حكومة في تاريخ المغرب، والتي ضمت عددا من ذوي القربى لعباس، مثل صهره نزار البركة الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة، وقريبته ياسمينة بادو وزيرة الصحة.
ومنذ تولي عباس رئاسة الحكومة تكالبت على المغرب مجموعة من الكوارث تباعا، بداية من الارتفاعات غير المسبوقة في الأسعار، مرورا بمحاكمات الصحفيين وسجن الشيوخ المسنين بتهم المس بالمقدسات، ووصولا إلى النكسات المتتالية التي حلت بالرياضة الوطنية.

مصائب متعاقبة

فقد عرف المغرب منذ مجيء حكومة عباس الفاسي ارتفاعات صاروخية في الأسعار لم يشهد لها مثيلا، ارتفاعات وجدت أمامها شعبا يعاني من تفشي الفقر المدقع والبطالة، حيث كان المغاربة يعانون الأمرين مع الضعف الكبير في القدرة الشرائية حتى قبل هذه الزيادات الأخيرة، وبدل أن تقوم الحكومة الجديدة بحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الحادة التي يعاني منها المواطن المغربي، اتخذت موقف المتفرج من الارتفاعات القياسية في الأسعار متذرعة بذريعة مسؤولية السوق الدولية في ارتفاع أسعار المواد الأساسية.
وهكذا ولأول مرة عرفت مدينة صفرو احتجاجات وانتفاضات شعبية ضد ارتفاع الأسعار اتخذت طابعا عنيفا، اضطرت معه السلطات إلى الرد بقوة واعتقال مجموعة من المتظاهرين من أجل احتواء الوضع، وذلك بعدما بلغ السيل الزبى وأصبحت القدرة الشرائية للمواطن المفقور في مهب الريح، دون أن تستطيع حكومة عباس فعل أي شيء للتقليل من حدة الأسعار. وقد انتقلت حمى الانتفاضات إلى مجموعة من القرى النائية، ناهيك عن المدن الكبرى كالعاصمتين الاقتصادية والإدارية للمملكة.
ومما زاد الطين بلة التقرير الأخير للبنك الدولي الذي صنف المغرب في خانة الدول المهددة بالمجاعة، بسبب التدني الحاد للقدرة الشرائية لدى المغاربة وهو ما يجعلهم غير قادرين على تحمل الزيادات الصاروخية في الأسعار.
وقد دعا بنك المغرب في بلاغ صدر عنه يوم الثلاثاء الماضي إلى توخي الحذر تجاه مخاطر التضخم الذي قد تواجهها البلاد خلال الأشهر القادمة، حيث توقع مجلس البنك المركزي أن يصل معدل التضخم إلى 2.2 بالمائة خلال السنة الجارية، مقابل 2 بالمائة خلال سنة 2007. وكانت المندوبية السامية للتخطيط في الأسبوع الماضي قد أكدت أن معدل التضخم بالمغرب بلغ 2.4 بالمائة على أساس سنوي في فبراير، متنقلا من 1.7 بالمائة في يناير الماضي نظرا لارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ومما زاد في تدهور الوضع الاقتصادي هروب المستثمرين خلال الشهور الأخيرة، بداية من الشركات العملاقة ووصولا إلى المقاولات الصغرى والمتوسطة. ولعل من أكبر الأمثلة ما حدث في مشروع أبي رقراق حيث اختفت شركة "إعمار" الإماراتية التي كانت تمثل الشريك الأساسي لصندوق الإيداع والتدبير، وكانت تتحدث عن استثمار 18 مليار دولار في المشروع. ونفس الشيء حصل مع الشركة السياحية العملاقة "فاديسا"الإسبانية، التي بدأت تتجه نحو بيع بعض مشاريعه لمنعشين مغاربة، ولمقاولات قوية مثل "الضحى".
وقد شهد شاهد من أهلها عندما أكد عبد الله الهوري الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالجديدة في كلمة الافتتاح التي ألقاها بمناسبة احتفال المركزية النقابية بذكراها التأسيسية الثامنة والأربعين، أن تخليد هذه الذكرى جاء في ظروف حساسة " تتميز باتساع رقعة الفقر والتفقير وغلاء الظروف المعيشية وتفشي الرشوة والزبونية والمحسوبية وظروف الحياة البئيسة التي تتخبط في مستنقعها فئات عريضة من الشعب المغربي ومن العمال الذين يفتقرون إلى التأمينات الاجتماعية". وهكذا لخص الكاتب العام لهذه المنظمة النقابية التابعة لحزب عباس الفاسي معاناة شعب بكامله من الفقر الحاد والارتفاعات المهولة في الأسعار في عهد حكومة عباس.

حكومة السعدية

وجاء في التقرير الأخير لنانسي رومن مديرة الاتصالات ببرنامج الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، أن تواصل ارتفاع أسعار المواد الغذائية يهدد بارتفاع نفقات الأسر المغربية، وبالتالي فمن الوارد أن يتسبب في حدوث اضطرابات اجتماعية بسبب سوء التغذية والجوع ذي الطابع الخاص. ويظل المغاربة مهددين بالجوع إلى جانب كل من بوركينافاسو والكاميرون والسنغال. ولم تشهد الفئات الفقيرة من المجتمع المغربي منذ ثمانينات القرن الماضي تدهورا في المستوى العام للمعيشة وانهيارا في القدرة الشرائية مثل الذي شهدته خلال الشهور الأخيرة.
وفي ترتيب برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2007/2008 تراجع المغرب بثلاث نقط، وانتقل
إلى الرتبة 126 من بين 177 دولة، وقد صنف تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية المغرب ضمن البلدان ذات التنمية البشرية المتوسطة، لكن بمؤشر أقل من المتوسط العالمي، واستعمل التقرير مؤشرات مركبة، تضم متوسط العمر في كل دولة ومستوى الدخل الفردي وتوزيع الثروة، إضافة إلى مستوى التعليم التي احتل فيه المغرب المراتب الأخيرة بين الدول العربية.
وعرف عهد عباس عدة محاكمات للصحف ورجال الإعلام مثل ما حدث لأسبوعية "الوطن الآن"، حيث تم توقيف الجريدة ومحاكمة مديرها عبد الرحيم أريري والصحفي حرمة الله، هذا الأخير الذي تعرض لعقوبة سجنية نافذة. ولم تسلم أنجح المؤسسات الإعلامية المغربية من لعنة المحاكمات والمتابعات القضائية، حيث تعرضت يومية المساء لأربع قضايا توبع من خلالها مدير الجريدة رشيد نيني، وحكم على الجريدة في إحداها بأداء غرامة مالية بقيمة 600 مليون سنتيم في انتظار صدور بقية الأحكام، حيث يبقى رشيد نيني مهددا بالمنع من ممارسة مهنة الصحافة لمدة عشر سنوات.
وقد جاء تقرير منظمة (مراسلون بلا حدود) ليفضح الحيف الذي يمارس في المغرب ضد الصحافة في عهد حكومة عباس، حيث أكد تقرير المنظمة الفرنسية على أن الصحفيين المغاربة في سنة 2007 تعرضوا لكافة المخاطر التي قد تعرض مسارهم المهني للخطر، منها قيام الدولة بمحاكمة وسجن بعض الصحفيين ومصادرة منشوراتهم.
وورد في التقرير أن المغرب بعدما كان يحتل المرتبة 89 عالميا في حرية الإعلام سنة 2002 تراجع إلى المرتبة 106 عام 2007، وأرجع التقرير سبب هذا التراجع إلى أن الدولة استطاعت أن تخنق أصوات الصحفيين من خلال فوزها بأغلب القضايا التي رفعتها ضدهم.
وتميز عهد عباس أيضا بمحاكمات بتهم المس بالمقدسات، إحداها راح ضحيتها رجل بلغ من الكبر عتيا، عمره 95 سنة، حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة المس بمقدسات البلاد، قضى منها 5 أشهر قبل أن يقضي نحبه في السجن، ونفس الشيء حدث مع المواطن بوكرين من بني ملال البالغ من العمر 72 سنة، الذي تم الحكم عليه بالسجن بنفس التهمة. يحدث هذا في عهد الوزير الأول عباس الفاسي الذي اشتغل سابقا بالمحاماة وطالما كان يطلق النار على القضاء مطالبا بإصلاحه.
كما شهد المغرب منذ مجيء حكومة عباس مجموعة من الإضرابات التي قام بها موظفو مجموعة من القطاعات الحيوية في البلاد، ويتعلق الأمر بقطاعات التعليم والصحة والمالية، بالإضافة إلى السابقة التي شهدها المغرب لأول مرة في تاريخه، وهي انتفاضات واحتجاجات رجال البوليس، الذين خرجوا أخيرا عن صمتهم الذين دام عقودا طويلة.

أخطاؤه فادحة

استيقظ عباس الفاسي ذات صباح من النوم، فظن نفسه وزيرا أول. وأخذ صلاحيات الوزير الأول، حيث كانت وكالات التنمية في الشمال والجنوب والشرق تابعة بشكل مباشر للوزير الأول، ففوتهم لوزير الإسكان والتعمير والتنمية المجالية رفيق دربه في حزب الاستقلال توفيق احجيرة بدون استشارة القصر. وأسابيع بعد ذلك، أصدر الديوان الملكي بلاغا يلغي هذا القرار، فقال عباس الفاسي: "أنا فخور بأن الملك صحح لي هذا الخطأ." رغم أن هذا القرار صودق عليه من طرف كل من مجلس الحكومة والمجلس الوزاري والبرلمان والأمانة العامة للحكومة ونشر أيضا بالجرائد الرسمية.
وكان الخطأ الذي تسبب للمغرب والمغاربة في إهانة مرة أمام الغريم الجزائر هو إصدار وزير الخارجية المغربي بلاغا يدعو فيه الجزائر إلى فتح الحدود مباشرة بعد مفاوضات منهاست، وقوبل الطلب برفض راديكالي من الجزائر، وهو ما شكل إهانة للمغرب والمغاربة.
وتوالت الأخطاء في حكومة عباس الفاسي عندما قام وزير الداخلية شكيب بنموسى بكشف أسرار التحقيق في قضية بلعيرج، وسبق الأحداث والقضاء وأدان المتهمين قبل أن تدينهم المحكمة، وجاء الخطاب الملكي ليؤكد أن القضاء هو الذي يملك سلطة الإدانة أو التبرئة.
وانتقلت عدوى الإخفاقات التي شهدها المغرب في عهد حكومة عباس إلى المجال الرياضي، الذي لم يسلم بدوره من مجموعة من النكسات التي كان آخرها مهزلة نهائيات غانا 2008، وإذا كان الإجماع يحصل اليوم حول أن التسيير الرياضي التقليدي هو المسؤول عن هذا التراجع، فحكومة عباس الفاسي يؤاخذ عليها عدم قدرتها على وضع حد لسيطرة العسكر على كرة القدم، وبالتالي الدخول بالرياضة المغربية إلى مرحلة جديدة أكثر تطورا ودينامية ومواكبة لمستجدات العصر. ورغم انتفاضة الشارع المغربي وإجماعه الملح على إقالة الجامعة، فإن سعادة الوزير الأول لم يخرج عن هدوئه الأولمبي.
ومن المنتظر أن يكون أول نجاح للوزير الأول عباس الفاسي هو المشروع الذي يسعى حاليا لإنجازه، والذي يتعلق بتعديل قانون حزب الاستقلال ليصبح العدد الأقصى للولايات المسموح به للكاتب العام للحزب هو ثلاث ولايات بدل ولايتين. وبما أن عباس قد شارف على إنهاء ولايته الثانية، فقد أصبح اليوم يطمع في ولاية ثالثة تضمن له الحق في البقاء على رأس الحزب وفي منصب الوزير الأول.

ليست هناك تعليقات: